كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، حتى بزغ نجم بعض الشعراء العظام ليعيدوا إحياء فن الشعر من جديد. كان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس بكلامه، وأشجى القلوب بأبياته. في 14 أكتوبر ستحل الذكرى ال80 لرحيل أمير الشعراء أحمد شوقي، ولذلك قررنا أن نتعمق في بحور شخصية شوقي وحياتة للتأكد مما هو معلوم ونبحث عما هو مسكوت عنه. فقد ولد أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك بحي الحنفي بالقاهرة في 23أكتوبر 1868م ، وأختلف الكثيرون على أصوله ولكنه ذكر في الشوقيات أنه عربي، تركي يوناني، جركسي، بجدته لأبيه. وقال شوقي: "إن مصر هي بلادي وهي منشأي ومهادي ومقبرة أجدادي، ولد لي بها أبوان، ولي في ثراها أب وجدان، وببعض هذا تحب الرجال البلدان". أخذته جدته لأمه من المهد وتكفلت به وكانت تعمل بقصر الخديو إسماعيل وفي إحدى الأيام دخلت به على الخديو وكان شوقي في الثالثة من عمره وكان بصره لاينزل عن السماء من اختلال أعصابه، فطلب الخديوي بدرة من الذهب ثم نثرها على البساط عند قدميه، فوقع شوقي على الذهب وأنشغل به وقال الخديوي "جيئي به متى شئت، فإني أخر من ينثر الذهب بمصر" . وفي الرابعة من عمره التحق شوقي بكتاب الشيخ صالح، ثم انتقل إلى مدرسة المبتديان الابتدائية، فالتجهيزية، ثم التحق أخيرا بمدرسة الحقوق وتخصص في الترجمة. وفي ذلك الوقت صدر مرسوم من المعية السنية بطلب شوقي ، وبعدها سافر شوقي إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق وقد حسمت تلك الرحلة منطلقات شوقي الفكرية وربطته حين ذاك صداقة بالزعيم مصطفى كامل. عاد شوقي إلى مصر يتجه بشعره إلى مدح الخديوي عباس الذي كانت سلطته مهدد من الانجليز، ثم نفي شوقي إلى أسبانيا. وكانت فترة المنفى هي أصعب فترات حياة شوقي وأسرته إلى أن إعتاد عليها وقرر إصدار أندلسياته ومن أشهر ما كتب شوقي في منفاه قصيدة تعبر عن الغربة والحنين إلى الوطن حيث قال : اختلافُ النَّهارِ واللَّيْلِ يُنْسِي *** اِذْكُرَا لي الصِّبَا وأَيَّامَ أُنْسِي وَصِفا لِي مُلاوَةً مِنْ شَبابٍ *** صُوِّرَتْ مِنْ تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ عَصَفَتْ كالصَّبَا اللَّعُوبِ ومَرَّتْ *** سِنَةً حُلْوَةً ولَذَّةَ خلْسِ وسَلا مِصْرَ هَلْ سَلا القَلْبُ عَنْها *** أَوْ أَسَا جُرْحَهُ الزَّمانُ المُؤَسِّي؟ وبعد عودته من منفاه استقبله الناس بحب وحفاوه شديده وكان لذلك أثره الإيجابي عليه، ولكنه حين وصل القاهرة لم يرغب بالعيش في منزله القديم بالمطرية الذي كان يحبه جدا وأطلق عليه "كرمة بن هانئ "وذلك من حبه الشديد لأبي النواس ,الحسن بن هانئ الذي إختاره في هذا المكان ليكون قريبا من قصر القبة ليكون بالقرب من الخديوي عباس ولكن بعد تغير الأوضاع لم يجد شوقي سببا للبقاء . وقام شوقي بإختيار مكان كرمته الجديدة بالجيزة على ضفاف النيل الذي عشقه كثيرا وحسب وصف نجل شوقي" حسين" أنه كان باستطاعتهم وقتها أن يروا الأهرامات بالعين المجردة والتي كان أبيه مغرما بها أيضا. ومن شدة حب شوقي للفن والإبداع جعل بيته صالونا ثقافيا للفنانين والمبدعين، حيث يوجد بمنزله جناح لمحمد عبد الوهاب وذلك لكثرة حب شوقي لفنه وصوته، فقد أقام عبد الوهاب مع شوقي مدة حوالي ستة سنوات وكان عمره حين ذاك ثلاثة عشر عام تقريبا. ومن غرائب حياة شوقي أنه كان لديه بكرمته الأولى كل ما يتخيله البشر من الحيوانات الأليفة وغيرها بدايتا من الكلب والحصان وصولا بالقردة والتماسيح. وتم العصور على صور فوتوغرافيه لشوقي وأبنائه الثلاثة "علي ،حسين، أمينة" ولكن كان الولدين في معظم الصور يظهرون بلباس الإناث وحلييهم وشعرهم الطويل جدا ويرجع سبب ذلك لأصول أم شوقي التركية حيث كانوا يخشون على الذكور من الحسد ويظنون أنهم بذلك لن يضروا. وكان لشوقي معتقداته الخاصة فهو طوال حياته لم يرتدي رابطة عنق لإنها تذكره بالمشنقة وكان يستبدلها بالببيون، وإذا رآه أحدا صيفاً أو شتاءً فهو يرتدي ملابسه كامله والمصنوعة من الصوف وذلك خوفا من المرض، وكلما مات احد أصدقائه اكتئب وأنعزل عن الناس لفترة حتى ينسى. الجدير بالذكر أنه عند وفاة الشيخ محمد عبده سنة 1905م وقف على قبره سبعة من الشعراء يلقون قصائدهم ،وكان أولهم حفني ناصف وأوسطهم حافظ إبراهيم وأخرهم شوقي وحدث أن تنبأ أحد الأدباء بأن هؤلاء الشعراء سيموتون بحسب ترتيبهم إلقاء القصائد على قبر الإمام وكان حافظ أخر من مات ،فأيقن شوقي أن أجله قد قرب فحزن وسافر إلى الإسكندرية كأنما يهرب من مصيره المحتوم ثم عاد بعد فترة للقاهرة ولكن مات شوقي فجر 14 أكتوبر1932 م، وذلك في نفس العام الذي مات فيه حافظ وكان قد نظم قبل وفاته وصيه جاء فيها: ولا تلقوا الصخور على قبري ألم يكف هما في الحياة حملته فأحمله بعد الموت صخرا على صخر . وصرح مدير متحف أحمد شوقي أحمد فكري، أن مرحلة تحويل المنزل إلى متحف يرجع الفضل فيها للزعيم الراحل محمد أنور السادات الذي حين علم برغبة أبناء شوقي ببيع البيت قرر شراءه وأصدر قرار بتحويله إلى متحف احمد شوقي وعندما علم أولاده قرروا ترك كل متعلقات شوقي بالبيت ومعظم الأثاث أيضا. وحتى الآن لم يتغير شيء ببيت شوقي الذي تحول إلى متحفه سوا تزويده ببعض اللوحات الفنية المهداة من حفيدته. حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي