قصة مؤلمة بدأت داخل منزل كان يجب أن يكون آمناً، عاش فيه أب تجرد قلبه من الرحمة على ابنته الوحيدة، رأى فيها صورة زوجته التي هجرته وتزوجت من رجل آخر . بدأ الأب يستخدم القسوة بشكل متزايد تحت مسمى التربية، ولكن الحقيقة أن الغل الذي ملأ قلبه نحو طليقته جعله ينتقم منها في طفلتها الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة. الطفلة البريئة وجدت نفسها سجينة للخوف داخل جدران بيتها، تعيش في رعب من العقاب الذي لا ينتهي، عاشت الطفلة مأساة كانت أيامها سلسلة من الخوف والقلق، فكل كلمة أو تصرف يمكن أن يتحول إلى سلسال من العقاب القاسي. لم تكن يد الأب بالنسبة لها رمزًا للحماية، بل مصدرا للوجع والجروح، حرمت فيه من أبسط حقوقها في الطفولة الآمنة والحنان، لقد كانت روحها البريئة تتآكل شيئًا فشيئًا، حتى فاضت روحها إلى بارئها تشكو له قسوة أب لا يعرف الرحمة وإهمال أم لا تعرف سوى الأنانية . بدأت القصة أو المأساة، عندما تعرف محمد شاب في الثلاثينيات على فتاه لطيفة في سن العشرينيات، اعجب محمد بها وتقدم لخطبتها ثم تزوجها. في بداية الزواج كانت حياتهما سعيدة، وازدادت جمالا بعد إنجاب الطفلة سلمي، وبسبب متطلبات الحياة، بدأت المشكلات تزداد شيئًا فشيئًا، حتى تحولت الحياة الزوجية الهادئة إلى عاصفة من الصراخ والخصام والتباعد. لم يكن في بال الزوجة أن تعيش حياة الحرمان ولم يتوقع الزوج هذا الكم الهائل من المسئوليات، وبدأت مساحة التفاهم والهدوء المشترك في التقلص تدريجيًا حتى قرر الزوجان الطلاق وبشكل نهائي. مشكلات الطلاق وكالمعتاد بعد الطلاق، النفقة ومشكلاتها ومن سيقضي احتياجات الطفلة سلمى، وكان العند هو طريق الشيطان لاستنزاف كل منهما، و كل قرار يخص الصغيرة، من موعد زيارة يتحول إلى ساحة معركة باردة، ومشاعر الصغيرة بينهما ممزقة . وبعد أن اتمت الطفلة سلمى 7 سنوات، عرض رجل الزواج على والدتها، فوافقت وتمت الخطبة، واشتعلت نار الغيرة في قلب محمد، ظل يتشاجر مع أهل طليقته ليمنع إتمام الزواج، لكنه لم يفلح، فعندما تسيطر مشاعر الغيرة العمياء وتتفاقم لتتحول إلى حقد وغل، يصبح المطلق في حالة صراع داخلي مسموم تجاه طليقته، خاصة بعد رؤيتها تستكمل حياتها بنجاح . بدأ يستخدم الطفلة وسيلة ضغط، لكي تتراجع الام عن فكرة الزواج ولكن في النهاية، تم الاتفاق أن تتنازل الام عن حضانة الطفلة لوالدها، وبالفعل ذهبت الطفلة وتوقعت أنها ستعيش في حضن والدها في قمة الأمن والأمان، طفلة بريئة لم تتوقع المرار والذل الذي ستعيش فيه، كلما وقعت عينا محمد على طفلته، لا يرى فيها براءة الطفولة التي تستحق الحنان، بل يرى انعكاسًا حيًا لطليقته التي يكرهها، فتزداد نيران حقده الداخلية اشتعالاً، تتحول الطفلة، دون ذنب اقترفته، إلى رمز للماضي المؤلم، وامتداد لوالدتها الذي يشعر تجاهها بالغضب والخسارة . فيقارن نفسه بها هي التي تعيش حياتها للمرة الثانية وهو اسير الظروف المادية، ولا احد يفكر للحظة في طفلة لا حول لها ولا قوة، ويفرغ محمد مشاعر الغضب من ضرب وإهانة طفلته الوحيدة بمنتهى القسوة لدرجة أن صراخها كان يصل إلى الجيران، فكانت تحتمي فيهم من كثرة الألم، ورغم كل هذا لم يهتز قلب محمد لها لحظة بل كان ينتقم من والدتها فيها أكثر واكثر، طفلة 7 سنوات بأي ذنب تهان من أم تركتها لتعيش حياتها وكادت تنسى فلذة كبدها واب يملأ قلبه الحقد والغل . تعذيب مستمر تحولت حياة الطفلة البالغة من العمر سبع سنوات، والتي هي في أمس الحاجة للأمان والدفء، إلى جحيم من الخوف والقلق المستمر، بتعرضها لسلسال العنف من الشخص المفترض أنه مصدر الأمان يمزق إحساسها بالواقع، ويزرع فيها بذور الخوف، حيث لا يرى فيها كائنًا ضعيفًا يحتاج إلى حماية، بل يراها أداة للانتقام . كل يوم تعذيب مختلف، في إحدى المرات حبسها في غرفة مظلمة، ومنع عنها الطعام، ومرة ثانية ظل يضربها بالحزام، حتى هربت الطفلة تستنجد بجارتها، والتي كانت درعًا لسلمى من والدها، ووقف الجيران أمام والدها لتأنيب ضميره، وبسبب بكائها الذي يلين الحجر، اتصل الجيران بوالدتها لكي تأتي وتأخذ ابنتها، وبالفعل جاءت الام وشاهدت بعينيها مدى التعذيب على جسد سلمى، ولكن بمجرد أن رآها محمد زاد الغل والنيران في قلبه وتشاجر معها وأخذ ابنته بالقوة، وفي تلك الليلة لم تر بعدها سلمى النور مرة اخرى، رفعت عيناها للسماء تستنجد بالخالق من والدها القاسي . وفي وسط الليل طلبت سلمي طعاما من والدها، أحضر لها قليلا منه، لكن الطفلة البائسة لم تشبع، فانهال الاب عليها بالضرب المبرح، بشكل ابشع من كل مرة، كواها بالنار حتى ماتت بين يديه، اعتقد محمد بأن الفتاة تحاول أن تستعطفه، ولكن عندما توقفت عن التنفس، خاف وفزع، حمل سلمى إلى المستشفى وهناك ابلغوه بأن الطفلة توفيت، سقط محمد أرضًا خوفا على نفسه وليس ندمًا على ابنته الوحيدة. حيلة مكشوفة بدأ الأب يؤلف قصصًا حول موت سلمى بزعم أنها تعرضت لحادث، لكن الطبيب لم يقتنع فاتصل بالشرطة، وتم القبض على المتهم، وشهدت الأم بقسوة محمد على سلمى وهي في عز انهيارها، كما شهد الجيران على تعذيب محمد لطفلته بشكل يومي . وعندما واجهته النيابة عن سبب تعذيب الطفلة، اجاب المتهم؛ أنه أراد ان يربيها، ليحميها من ذئاب المجتمع، لكن لم يكن الأب يعلم أن كل أعذاره الواهية تؤكد قسوة قلبه، ويجب أن تعيش الطفلة في حماية منه هو اولا ، لم تكن سلمى سوى ضحية صامتة لمعركة عاطفية لم تختر الدخول فيها، فتحول جسدها الصغير الهش إلى وسيلة لتنفيس مشاعر الكراهية والغيرة التي كان الأب يكنها لطليقته، الموت هنا ليس مجرد انتهاء لحياة، بل انعكاسا عن غل وحقد الأب وإهمال الأم . في يوم المحكمة، اخيرًا سقطت دموع الاب القاسي، نادمًا على ما فعله، خسر نفسه وخسر طفلته التي لا حول لها ولا قوة؛ قضت محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشار أحمد عبد الغني بالسجن 15 سنة مشدد على الأب القاسي القلب. اقرأ أيضا: إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة