أكثر التنظيمات القذرة التى اُبتليت بها المنطقة هو داعش، الذى ارتكب فى العراق جرائم بشعة غير مسبوقة فى تاريخ الحروب، كانوا يقتحمون مستشفيات الأمراض العقلية، ويربطون المرضى بأحزمة متفجرة، ويفجرونهم فى الأسواق والأماكن المزدحمة، ويعلقون الأحياء فى ماكينات شى الخراف ويحرقونهم على نار هادئة، ويلعبون الكرة برؤوس القتلى، وغيرها من صور التنكيل. ومنذ أيام احتفل العراقيون بذكرى تحرير آخر معاقل داعش فى محافظة نينوى شمالى البلاد، بعد القضاء عليه فى العاشر من ديسمبر 2017 ،اليوم الذى أعلنت فيه بغداد الانتصار النهائى، بينما أعلن الرئيس ترامب الحرب على داعش بعد مقتل جنديين أمريكيين فى سوريا وتوعد بالانتقام، والسؤال لا يزال مطروحًا بقوة: هل انتهى التنظيم فعليًا، أم أنه يستعد للعودة فى صورة مختلفة؟. كل الشواهد تؤكد أن الضربات القاسية التى تلقاها داعش، لم تنجح فى القضاء التام عليه، ولا يزال حاضرًا فى المشهد الأمنى الإقليمى والدولى، مستفيدًا من الفوضى السياسية والصراعات المستمرة فى عدد من الدول بعد أن تمكن منذ عام 2014 من السيطرة على مساحات شاسعة من العراقوسوريا. وشكّلت الولاياتالمتحدة فى ذلك الوقت تحالفا دوليا شنّ آلاف الغارات الجوية، وقدم دعمًا عسكريا واستخباراتيا للقوات المحلية، ما أسهم فى إسقاط «دولة الخلافة» التى أعلنها التنظيم، وانتهاء سيطرته الميدانية بحلول عام 2019، وتحول داعش إثر ذلك من نموذج السيطرة على الأرض الى حرب العصابات، معتمدًا على خلايا صغيرة تنفذ هجمات خاطفة وعمليات اغتيال، خصوصا فى المناطق الصحراوية الوعرة بين العراقوسوريا. ومن حيث التمويل لم يعد داعش يمتلك الموارد الضخمة التى كانت لديه مثل عائدات النفط والضرائب، ويعتمد على التهريب وفرض الإتاوات والابتزاز، وشبكات مالية سرية وتحويلات صغيرة من متعاطفين، ويلعب الفضاء الإلكترونى دورًا محوريا فى نشر الدعاية المتطرفة وتجنيد عناصر جديدة، دون الحاجة إلى قيادة مركزية واضحة. ولا توجد أدلة على دعم خارجى، وتجمع الدول على تصنيف داعش كتنظيم إرهابى، إلا أن الفوضى الأمنية وضعف السيطرة فى مناطق النزاع سمحا بوصول أسلحة وموارد إلى التنظيم بطرق غير مباشرة. ولم يعد خطر داعش مقتصرا على مناطقه القديمة، وبرز نشاطه بشكل ملحوظ فى إفريقيا، خاصة فى منطقة الساحل، وشرق الكونغو وشمال موزمبيق، ويُعد فرع «داعش خراسان» فى أفغانستان من أخطر فروع التنظيم حاليًا، نظرًا للهجمات الدامية التى نفذها داخل البلاد وخارجها. الخلاصة أن الحرب الدولية نجحت فى إسقاط مشروع «دولة داعش»، ولم يسقط «التنظيم»، ومازال قادرًا على التكيف والانتشار فى البيئات الهشة، والمواجهة الحقيقية لا تقتصر على الحلول العسكرية، بل تتطلب معالجة سياسية وتنموية وفكرية، لمنع عودة التنظيم بأشكال جديدة.