ليست قوة الدول الحقيقية فى قدرتها على فرض الهيمنة أو إثارة المخاوف، بل فى حفظ التوازن وصون الاستقرار، ومن هذا المنطلق لم تكن قوة مصر يومًا مصدر تهديد للآخرين، بل عامل أمان فى محيط مضطرب، وضمانة أساسية لاستقرار الإقليم. والتاريخ يؤكد أن الدولة المصرية، كلما اشتدت عودها، لم تتجه إلى العدوان أو التوسع، وإنما ركزت على حماية حدودها، وصون أمنها القومي، والدفاع عن أشقائها عند الضرورة دون الانجرار إلى مغامرات عسكرية أو صراعات عبثية، وتمثل قوة مسئولة. وتقوم السياسة المصرية المعاصرة على مبدأ واضح ، وهو بناء دولة قوية من الداخل، متماسكة اقتصاديًا وسياسيًا، وقادرة عسكريًا، دون أن يكون ذلك على حساب الآخرين، مصر لا تبحث عن أعداء، ولا تصنع خصومات، بل تؤمن بأن الاستقرار الإقليمى مصلحة مشتركة لا تتحقق إلا بدولة قوية ومتوازنة، تعظّم مكانتها وهيبتها الدولية، وتتجنب الصراعات والمؤامرات . ومن يخشى قوة مصر، لا يخشاها لأنها تهدد، بل لأنها تُفشل مشاريع الفوضى، وتعطل محاولات الابتزاز، وتغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية، ولا تُستخدم للضغط وإنما للحماية، ولا تُوجَّه للهيمنة بل لحفظ السلام، دولة قوية لكنها رشيدة وقادرة وحكيمة. وعلى مرّ التاريخ، برزت فى مصر وفى العالم قيادات امتلكت رؤى إصلاحية بدت فى بدايتها أقرب إلى الأحلام، لكنها تحولت بفضل الإرادة والعمل إلى حقائق غيّرت مسار الدول والشعوب،وفى مصر يمثل محمد على وجمال عبد الناصر نموذجين بارزين لقادة سعوا إلى بناء دولة قوية مستقلة القرار، قادرة على الاعتماد على ذاتها وفرض مكانتها الإقليمية والدولية، ورغم أن مشروعَيْهما لم يُكتب لهما الاستمرار، إلا أن التجربة التاريخية التى خلّفاها أصبحت جزءًا من الوعى المصرى المعاصر. ويستحضرنى فى هذا السياق قول المستعمر البريطانى الشهير: «ليس فى مصلحتنا أن تعوم مصر أو تغرق»، مصر القوية تهديد لمصالحهم، ومصر الضعيفة خطر على استقرار المنطقة،ومن هنا تبرز وحدة المصريين والحفاظ على دولتهم باعتبارها الورقة الأقوى فى مواجهة أى محاولات للنيل من البلاد. ويؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة أن الخطر الحقيقى على مصر قد يأتى من الداخل قبل الخارج، فى ظل وجود جماعات لا يعنيها سوى نشر الفوضى وتشويه الحقائق وإطلاق الشائعات، غير أن وعى المصريين، المستمد من تجربتهم القاسية مع محاولات هدم الدولة، جعلهم أكثر قدرة على التمييز، وأكثر التفافًا حول وطنهم، فكان اصطفافهم خلف الدولة بمثابة طوق النجاة. نجحت مصر فى تجنب الصراعات الدامية التى تعصف بالمنطقة، وحافظت على نقاء موقفها، فلم تتورط فى إراقة الدماء، بل دافعت عن الأشقاء دون أن تنجرف إلى حروب عبثية،وتتجسد أوراق قوة مصر الحقيقية فى شعب واعٍ، وجيش قوى، ودولة رشيدة تعرف طريقها.