لم يكن محمود وعبد الرحمن مجرد صديقين، بل كانا صورة نادرة لصحبة عمر لا تفترق.. من قرية شنواي بمحافظة المنوفية، خرج الاثنان معًا للحياة، كبرا جنبًا إلى جنب، وحملا أحلامًا متشابهة، حتى ظن كل من يعرفهما أنهما شقيقان لا يفصل بينهما دم. تحمل الاثنان المسئولية منذ الصغر، وقررا العمل معًا في محافظة البحيرة، في خطوة جديدة بحثًا عن رزق أوسع ومستقبل أفضل. لم يكن أحدهما يخطو خطوة دون الآخر، فالطريق واحد، والنية واحدة، والرفقة واحدة، لكن الطريق الصحراوي، الذي شهد آلاف الرحلات اليومية، تحول في لحظة إلى شاهد على نهاية موجعة.. حادث مروع مفاجئ أنهى الرحلة، وأسفر عن وفاة 4 أشخاص، كان من بينهم محمود وعبد الرحمن.. رحلا معًا كما عاشا معًا، تشاركا التعب، والسعي، وحتى الموت لم يفرق بينهما. خرج الصديقان محمود وعبد الرحمن، من بيتهما كعادتهما في صباح عادي، يضحكان ويداعبان بعضهما، غير مدركين أن هذا الصباح سيكتب لهما نهاية لم يتخيلها أحد. أسرتهما ودعوهما بابتسامات وأمل، ولم يعرفوا أن تلك اللحظات الأخيرة كانت قبل الرحيل الأبدي.. قصة صداقة، وفقد، وحياة توقفت فجأة، ترويها السطور بكل ألمها، لتأخذنا في رحلة من الطفولة حتى لحظة الفقد الموجعة. من قرية شنواي التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، خرج محمود جمال وعبد الرحمن وليد إلى الحياة معًا، كأن القدر قرر منذ البداية ألا يسير أحدهما دون الآخر؛ لم تكن صداقتهما عابرة، بل صحبة عمر حقيقية، بدأت منذ الطفولة، ونضجت مع السنين. كبر الشابان في شوارع القرية نفسها، تشاركا اللعب والضحك، ثم تحمل كل منهما مسئولية مبكرة في البحث عن لقمة العيش؛ قررا النزول معًا للعمل في محافظة البحيرة، ولم يكن الفراق خيارًا مطروحًا بينهما. لم يتجاوز محمود جمال عامه ال19، لكنه كان أكبر من عمره بكثير في تحمل المسئولية، عمل باليومية داخل محطة لتصدير المنتجات الزراعية، لمساعدة والده، كان محمود يعول 6 أشقاء، من بينهم 5 فتيات، ولم يعرف الكسل طريقًا إليه. إلى جانب عمله الشاق، كان محمود يعيش على حلم كبير؛ إذ كان ينتظر نتيجة الهيئة في معهد معاوني الشرطة، أملًا في مستقبل أكثر استقرارًا، لكن القدر اختار له نهاية أخرى، قبل أن يرى حلمه النور. أما عبد الرحمن وليد، فكان الرفيق الدائم، لا يترك صديقه في خطوة، ولا يسير في طريق بمفرده؛ عرف بين أهالي القرية بحسن الخلق وهدوء الطبع، وكان ارتباطه بمحمود مضرب مثل في الصداقة الحقيقية. الرحلة الأخيرة في صباح يوم الحادث، خرج الشابان متجهين إلى عملهما، لم يكن في الأذهان سوى يوم عمل جديد، لكن الطريق تحول فجأة إلى شاهد على مأساة إنسانية، بعد وقوع حادث مروع عندنا اصطدمت سيارتهم بأخرى نقل؛ وأسفر الحادث عن وفاة 4 أشخاص؛ من بينهم الصديقين بالإضافة لإصابة 14 آخرين. قرية في حداد استقبلت قرية شنواي الخبر بصدمة كبيرة، وتحولت الشوارع التي شهدت ضحكات الطفولة إلى حزن وألم.. جنازتان متجاورتان، ودموع لم تجف، وحكايات عن شابين لم يعرف عنهما سوى السعي والكفاح وحب الخير. عاش محمود وعبد الرحمن معًا، وتعبا معًا، وسعيا وراء الرزق جنبًا إلى جنب، وحتى الموت لم يفرق بينهما.. رحلا تاركين خلفهما وجعًا كبيرًا، ولم يتبق منهما سوى صور تجمعهما ودعوات صادقة بأن يعوض الله شبابهما بالجنة ويربط على قلوب ذويهم.