في بيوت كثيرة ووراء أبواب مغلقة، تتبدّل طفولة بنات صغيرات فجأة بعقد زواج وكلام بسيط من نوع «العريس مناسب» و»الجواز سترة» تتحوّل حياة بنت عندها 14 أو 15 سنة لمصير أكبر من عمرها بسنين، ورغم أن القانون يمنع زواج القاصرات، لكن الزواج العرفي والتحايل مازال يفتح الباب لجريمة تحدث كل يوم دون الابلاغ، ومن غير حساب أحيانًا. زواج القاصرات ليست مجرد «عادة» أو «ثقافة قديمة»، لكنها سلسلة انتهاكات تبدأ من البيت وتكمل لحد باب المستشفى والمحكمة ووسط ضغط الجهل والعادات، تظل الطفلة هي أضعف حلقة في سلسلة طويلة يكسب منها الكبار فقط. دكتورة سوزان القلليني عضو المجلس القومي للمرأة قالت: «المجلس يؤكد أن زواج القاصرات هو قضية "خطيرة" على الفتيات والمجتمع، ويعتبره خرقًا لحقوق الفتاة في "الحاضر والمستقبل" و شدّد على أن زواج القاصرات يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية للفتاة، لأن الفتاة تحت سنّ 18 «غير مؤهّلة لتحمل تبعات الزواج» من الناحية الجسدية والنفسية. «القومي للمرأة» رحّب بموافقة الحكومة على مشروع قانون يحظر زواج الأطفال، واعتبر هذا القانون خطوة ضرورية لمكافحة ارتكاب هذه الجريمة في حق فتيات مصر. كما ربط المجلس بين زواج القاصرات وبين ما وصفه ب «تفكك أسر» و"أطفال في الشارع" في الحالات التي تنتج عن الزواج المبكر أو ما يليها من طلاق أو هجر. وأكد المجلس أن زواج القاصرات يُعد من أشكال "العنف ضد المرأة" خاصة عند مضاعفة المخاطر الصحية، النفسية، والاقتصادية على الفتاة. في رأيي، زواج القاصرات ليس مجرد «اختيار خاطئ» بل جريمة متعددة الأبعاد: جريمة ضد الطفولة، جريمة ضد إنسانية الفتاة، وجريمة ضد مستقبل المجتمع. لا يمكن اعتبار فتاة عمرها 13- 16 سنة قادرة على تحمل مسئوليات زواج، بيت، أطفال بغض النظر عن «النضج الجسدي»؛ لأن النضج النفسي والعاطفي والخبرة الحياتية لا تُقاس بالسِن فقط بل أدوات الحياة (التعليم، العمل، الوعي، الاستقلال) في مجتمعنا غالبا لا تمنحها قبل 18–20 سنة. كما أن زواج القاصرات يكرّس التمييز الجندري: لأن غالبًا الفتيات من يتزوجن صغيرات، بينما الأولاد أو الرجال يتزوجون أكبر سنًا، وهذا يضيع فكرة المساواة، ويعزز أدوارًا تقليدية قديمة لا تتناسب مع مجتمع اليوم. لذلك: أرى أن زواج القاصرات يجب أن ينتهي ليس فقط بالتشريعات، بل ب وعي مجتمعي حقيقي، دعم اقتصادي للأسر، فرص تعليم ووظيفة للفتيات، حماية قانونية حقيقية وليس فقط «منع التسجيل الرسمي». نفسيًا وقانونيًا دكتور طارق حمزة أستاذ علم الاجتماع قال: «زواج القاصرات لا يحدث من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لشبكة من العوامل المتداخلة منها الحصول على مقابل مادي من اجل تحسين مستوى المعيشة أو تقليل عدد الأفراد داخل المنزل، إلى أن تتحول الفتاة من «ابنة» إلى مسئولية يتم التخلص منها، فلا يتوقف الضرر عند الفتاة وحدها، بل يمتد إلى الأسرة والمجتمع بأكمله حيث أن الزواج المبكر يؤدي غالبًا إلى ترك التعليم، ما يحد من فرص العمل مستقبلًا، علاوة على أن المرأة التي حُرمت من التعليم تُعيد إنتاج نفس الظروف لأطفالها، ارتفاع معدلات الطلاق بين القاصرات نتيجة عدم النضج. فإنقاذ طفلة من زواج مبكر لا يعني فقط إنقاذ فرد، بل حماية مستقبل جيل كامل من التهميش وإعادة الإنتاج القهري للفقر والجهل. ومن الناحية النفسية، تؤكد دكتورة ندى عماد استشاري الصحة النفسية؛نحن نحتاج إلى وعي حقيقي ومستمر، لا موسمي عبارة عن تمكين اقتصادي للأسر الفقيرة، إبقاء الفتيات داخل منظومة التعليم، تشديد العقوبات على الزواج العرفي للقاصرات، لذلك أقترح أن يشتمل أي عمل مجتمعي أو قانوني لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات على الخطوات التالية: توعية مجتمعية مكثفة من خلال المدارس، الجامعات، الإعلام، المساجد، المجتمع المدني لشرح مخاطر الزواج المبكر وتأثيراته على الفتاة والأسرة، تمكين الفتيات تعليميًا ومهنيًا. عصام كمال المحامي قال: «المشكلة من وجهة نظري إن الزواج المبكر يتم خارج التوثيق أصلًا والنتيجة: جريمة مكتملة الأركان بلا متهمين، الجريمة واضحة لكن لا يوجد نص قانوني قوي يحاسب كل الأطراف: الولي – الزوج – المأذون – والوسيط. هي»إتجار بالبشر داخل الأسرة» لأنها قائمة على تبادل منافع واستغلال قاصر وغياب إرادة حقيقية، لذلك اطالب بتحويل الولي من «طرف في العقد» إلى متهم أساسي. اقرأ أيضا: حملة «طفولتها حقها»: تحذيرات إنسانية من الصحة لوقف زواج القاصرات