ما الفرق بين (الهولوكوست) الذى تعرض له اليهود فى ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، و(المحرقة) التى واجهها الشعب الفلسطينى فى غزة، أثناء العدوان الذى استمر عامين ومازال، بل وصل فى الحالة الثانية، إلى جرائم إبادة جماعية، استهدفت البشر والحجر، تحول معها القطاع إلى مكان غير قابل للعيش، ناهيك عن الضحايا من الشهداء والمصابين. ومع ذلك فقد فرضت الدول المنتصرة، ووافقت ألمانيا، على دفع تعويضات للناجين من الهولوكوست، تجاوزت 70 مليار دولار خلال 70 عاماً، بينما فى الثانية، تم تسريب أخبار عن عمد، حول موافقة إسرائيل على طلب الإدارة الأمريكية، تحمل تكلفة رفع الأنقاض من غزة، والتى وافقت من حيث المبدأ، دون أن يصدر وحتى الآن تأكيد رسمى من الجانبين، وهو الأمر الذى يثير الكثير من الأسى والأسف، والنظر بعين الشك والريبة إلى هذا الموقف، فلم نتعود من كليهما على المشاركة فى أعمال كهذه، مع تعدد جولات العدوان الإسرائيلى، فى أزمنة مختلفة منذ عام 2008، (معركة الفرقان) أو (الرصاص المصبوب)، كما أطلقت عليها إسرائيل، وحتى طوفان الأقصى منذ أكثر من عامين. (وظنى وليس كل الظن إثما)، أن الموقف الأمريكى الجديد، والموافقة الإسرائيلية الاستثنائية، إنها محاولة لذر الرماد فى العيون، لتحفيز دول العالم، فى الإسهام فى مشروع إعادة الإعمار فى القطاع الذى يواجه العديد من العقبات، فالمبلغ المطلوب من تل أبيب قيل إنه مليار شيكل، وفى تغطيات أخرى ارتفع إلى مليار دولار، لا يشكل أى قيمة ضمن الموازنات المطلوبة، والتى قدرتها الخطة المصرية للتعافى المبكر وإعادة الإعمار إلى53 مليار دولار، فأنقاض غزة تبلغ 68 مليون طن، وقد تحتاج لإتمامها ما بين عشرة إلى 15 عاماً. نموذج الهولوكوست فى تحمل المعتدى تكلفة التعويض وإعادة الإعمار، ليس استثناء ولا بدعة، فهناك مخطط إعادة إعمار أوكرانيا على سبيل المثال، وتحتاج إلى أكثر من 441 مليار دولار، حيث سارعت أمريكا والدول الأوروبية، إلى إصدار قرار دولى من الأممالمتحدة فى نوفمبر 2022، يحمل روسيا مسئولية بدء العدوان وإعادة التعمير، وعقدت أوروبا أربعة مؤتمرات حول الملف، آخرها فى يوليو الماضى فى روما، أعلن عن تأسيس الصندوق الأوروبى الرائد للمهمة، وهددت بالفعل فى استخدام الودائع الروسية المجمدة، والتى تمثل نصف احتياطيات روسيا من النقد الأجنبى، وبلغت200مليار يورو، موسكو من جهتها، أعلنت أنها سترد بالمثل، واعتبرت أن المخطط الأوروبى سرقة، وقالت إنه لا يستهدف الأموال الخاصة فحسب، بل أيضاً أصول الدولة الروسية. وهناك التجربة العراقية فى تحمل بغداد مسئولية الغزو فى أغسطس1990، ودفع التعويضات، فبعد التحرير فى فبراير1991، تم تشكيل لجنة أممية تم إنشاؤها فى مايو، بموجب قرار رقم 692 عام 1991، كهيئة فرعية تابعة لمجلس الأمن، أشرفت على توزيع التعويضات، بقيمة بلغت 52 مليار دولار، حيث التزم العراق بها، سدد آخر دفعة منها فى فبراير عام 2022. ولأن إسرائيل هى الاستثناء فى تنفيذ القانون الدولي، وتعودت على سياسة ارتكاب المجازر والجرائم فى حق الشعب الفلسطينى، وهى على ثقة من الإفلات من جرائمها، أو المساهمة فى توابعها، فقد كان من الطبيعى إشاعة الرئيس ترامب أجواء من (التفاؤل الكاذب)، عندما قدم فى مؤتمر شرم الشيخ فى نوفمبر الماضى، الشكر للدول العربية والإسلامية، التى تعهدت بمبالغ هائلة مخصصة لإعادة تعمير القطاع، وكان يشير ضمناً إلى دول الخليج، ولم يكن الأمر بهذه السهولة، فهذه الدول مترددة وتشتكى من غياب الوضوح الكافى لمستقبل القطاع، مع طلب ضمانات حقيقية، إن ما حدث فى أكتوبر2023 لن يتكرر، دولة مثل قطر، وهى إحدى الدول المهمة فى تجارب سابقة فى إعادة الإعمار فى القطاع، أعلنت هذا الأسبوع، أن إسرائيل وحدها من تتحمل مسئولية إصلاح الأضرار، وقال رئيس وزرائها ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن، (لن نتخلى عن الفلسطينيين، ولكننا لن (نوقع على الشيكات) التى ستعيد بناء ما دمره الآخر. وقد يكون ذلك وراء تعثر الخطة المصرية للتعافى المبكر وإعادة الإعمار، وهى الأهم والأشمل ومفصلة، وتقع فى حوالى 100 صفحة، وتحمل اسم غزة 2030، تمتد على خمس سنوات على مراحل، وبتكلفة 52 مليار دولار، بعيداً عن خطط (ريفيرا غزة)، التى طرحها ترامب فى فبراير الماضي، وتتضمن إنشاء سلسلة من المدن الحديثة والمخطط بالذكاء الصناعي، خاصة أنها تتضمن فكرة الانتقال الطوعي، الذى يفترض مغادرة ربع عدد السكان، مقابل حزمة تعويضية قدرها 5000 دولار، وسعت القاهرة عندما طرحت الخطة فى مارس الماضى إلى تنظيم مؤتمر وزارى دولي، لحشد الدعم للخطة، بمشاركة السلطة الفلسطينية والأممالمتحدة، والدول المانحة والمنظمات والمؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية، فإن الوضع يراوح مكانه، فقد تم تأجيله مرتين فى سبتمبر الماضى، على هامش اجتماعات الأممالمتحدة، والثانية الشهر الماضي، وهو ما كشف عنه الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية، والذى أعلن عن مشاورات تتم لأن يكون المؤتمر برئاسة مشتركة بين أمريكا ومصر. وبعد، على الجميع أن يفهم أن المليار شيكل أو دولار من إسرائيل، لن يزيل العقبات أمام المؤتمر، أو يشجع دول العالم على التمويل، فالمطلوب التوافق على تحمل تل أبيب المسئولية الكاملة عن جريمتها، والمشاركة فى إعادة الإعمار، وتوافر ضمانات حقيقية لعدم تكرار عدوانها. فهل تلتزم؟.. أشك فى ذلك.