بدلاً من أن تتجه أنظار العالم نحو معاقبة الطرف الذى ارتكب جميع أشكال الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين العُزل وساهم فى تدمير قطاع غزة بعد قرار وقف إطلاق النار يتم تكثيف التركيز دوليا وإقليميا على مسألة التهجير وما إذا كان من الممكن تطبيقها خلال الفترة المقبلة من عدمه، وهو ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي يتخفى فى ظلال ضجيج التهجير دون أن يتعرض لأى ضغوط تقوده لأن يتحمل الكلفة المادية والسياسية لجرائمه التي ارتكبها طيلة خمسة عشر شهرا لم يتوقف فيها استخدام كافة أشكال الجرائم. ◄ جبر الضرر والتعويض حق قانونى يستحقه الفلسطينيون ◄ الاحتلال يتذرع بعدم دفع التعويضات انتظارا لاتفاق سلام نهائي ◄ الأضرار المادية تصل ل80 مليار دولار ..و700 مليون دولار لإزالة الأنقاض ◄ حرب غزة تمحو أكثر من 69 عاماً من التقدم التنموي بالقطاع ■ الاحتلال يدمر قطاع غزة ولم يطرق أحد سواء من الدول المتشدقة بأوضاع حقوق الإنسان أو الدول المانحة أو الفلسطينيين أنفسهم عن مسألة جبر الضرر وتعويض أكثر من 150 ألف ضحية ما بين شهيد ومصاب نتيجة العدوان الإسرائيلى الغاشم على القطاع، كما لم يتحدث أحد عن تحميل الاحتلال المسئولية القانونية عن جرائمه فى وقت تسعى فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية بعد مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذى بدوره سيكون أول مسئول خارجى التقاه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالبيت الأبيض. وتسببت حرب الإبادة الإسرائيلية فى نسف الأحياء والبيوت والمنشآت العامة، وتدمير البنية التحتية والنظام الصحي والتعليمى، والبيئة والأراضي الزراعية، وتجاوزت جميع الأرقام القياسية بشأن حجم الضرر الحاصل للمواطنين وعلى الحياة العامة للمواطنين من مناحى اقتصادية ومدنية، وهو ما يجعل القطاع أمام إعادة بناء كاملة وليس إعادة إعمار وسيكون من المجحف أن تتحمل دول أخرى نتيجة هذه الكلفة التى سيكون على دولة الاحتلال تحملها. ◄ القانون الدولي وتعد مسئولية الدولية جزءا من القانون الدولي الذي يتيح جبر الضرر والتعويض، إذ تنص القاعدة رقم 150 على أن «تلتزم الدولة بالمسئولية عن انتهاكات القانون الدولى الإنسانى، بالتعويض الكامل عن الخسائر أو الأذى الذى تسببت به الانتهاكات». وإضافة إلى اتفاقية لاهاى الخاصة باحترام تقاليد وأعراف الحرب البرية المؤرخة في أكتوبر 1907، فقد نصت المادة رقم 3 وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، على أنه «يكون الطرف المتحارب الذى يخل بأحكام هذه الاتفاقية ملزماً بالتعويض إذا دعت الحاجة، كما يكون مسئولاً عن جميع الأعمال التى يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواته المسلحة». ◄ جبر الضرر وبحسب تقرير صدر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن إسرائيل تتذرع لعدم دفع التعويضات بأنها ترى بأن الأمر يجب أن يتم حله ضمن اتفاق نهائى للسلام مع الفلسطينيين، وفى الوقت ذاته فإنها تتوسع فى إدخال تعديلات على قوانينها المحلية لرفض القضايا المدنية التى يتقدم بها فلسطينيون للحصول على تعويضات وتمنح المحاكم الإسرائيلية حق رفض القضايا المدنية فى مراحلها الأولية، دون الاستماع للشهود أو الأخذ بالأدلة إذا كانت المطالبة مقدمة لقاء خسائر نتجت عن «عملية عسكرية» للجيش الإسرائيلى. ويؤكد التقرير أن «إسرائيل مسئولة، بموجب القانون الدولى، عن تكلفة بناء غزة ومستشفياتها ومنازلها، سيما فى كل الحالات التى لم تكن فيها ضرورة ملحة للهجوم أو أن الهجوم كان غير متناسب»، كما تثبت المعلومات التى وثقت حتى هذه اللحظة. يذكر أنه في عام 1983، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 144/38، تدين فيه إسرائيل لاستغلالها الموارد الطبيعية للأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وتطالب جميع الدول والمنظمات والشركات التجارية، بعدم الاعتراف بأية تدابير تتخذها إسرائيل لاستغلال الموارد الوطنية للأراضى الفلسطينية. كما طالبت فيه الجمعية إسرائيل بتحمل مسئوليتها عن تعويض السكان المحليين عن أية أضرار لحقت بهم. لكنها لم تخضع لهذا القرار حتى اللحظة. ورغم أن إسرائيل ذاتها استفادت من جبر الضرر نتيجة المحرقة التي تعرض لها اليهود فى أوروبا إذ بلغ إجمالى ما دفعته الحكومة الألمانية خلال 70 عاماً مايتجاوز 90 مليار دولار، حيث تم تخصيص مبالغ كبيرة للناجين، وتم توفير رواتب تقاعدية لهم، غير أنها لا تريد أن تقوم بالأمر ذاته للفلسطينيين. ومؤخرا أشار تقرير لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي ولجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بعنوان «حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين- تحديث أكتوبر 2024»، إلى أن «خطة شاملة للتعافى وإعادة الإعمار، تجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاستراتيجية فى التعافى وإعادة الإعمار، إلى جانب رفع القيود الاقتصادية وتعزيز الظروف المواتية لجهود التعافى، من شأنها أن تساعد فى إعادة الاقتصاد الفلسطيني إلى المسار الصحيح ليستعيد توافقه مع خطط التنمية الفلسطينية بحلول عام 2034. لكن هذا السيناريو لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت جهود التعافى غير مقيدة». وأشار التقرير إلى توقعات بانخفاض مؤشر التنمية البشرية لدولة فلسطين إلى 0.643، وهو المستوى المقدر لعام 2000، مما يؤخر التنمية بمقدار 24 عاماً. بينما يُتوقع أن ينخفض مؤشر التنمية البشرية لغزة إلى 0.408 وهو المستوى المقدر لعام 1955، مما يمحو أكثر من 69 عاماً من التقدم التنموى. أما الخسائر الإجمالية التقديرية، وحسب التقارير الدولية، فتشير إلى أن حجم الأضرار المادية يصل إلى أكثر من 80 مليار دولار، بالإضافة إلى 700 مليون دولار لإزالة الأنقاض. أما المنشآت الصغيرة والمتوسطة التى تم تدميرها فقُدرت بحوالى 48 ألف منشأة ومشروع صغير ومتوسط وكبير». ◄ ابحث عن أمريكا وقال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الجهود القانونية لم تتوقف منذ أن بدأت حرب الإبادة ضد الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر ووصل الأمر لإدانة إسرائيل وإصدار مذكرة لاعتقال رئيس وزرائها من المحكمة الجنائية الدولية وهو ما يشكل نجاحا دبلوماسيا مهما حققته الدول العربية والإسلامية والدول التى لديها اهتمام بأوضاع حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن ما يعرقل الاتجاه لتحميل إسرائيل المسئولية كاملة ودفع ثمن ما قامت به هى الولاياتالمتحدة وظهر ذلك فى الكثير من محاولات وقف الحرب عبر مجلس الأمن إذ كانت القرارات تحظى بموافقة 14 دولة واعتراض دولة واحدة، لكن ذلك لا يمنع من التأثير الإيجابى للدول العربية على القارة الإفريقية إذ إن محاولات منح إسرائيل عضوا مراقبا فشلت فى الوقت الذى تتواجد فيه السلطة الفلسطينية بشكل مستمر فى جلسات الاتحاد وهو ما يشكل نجاحا على المستوى الدبلوماسي والقانوني أيضا. وأضاف أن أولويات الدول العربية فى الوقت الحالى هى وقف القتال وإدخال المساعدات والغذاء والمياه والوقود وهناك قناعة بضرورة أن يتم تثبيت الوضع القائم والتعامل مع ضغوط التهجير لأن مسألة التعويضات لن تأتى إلا فى إطار صفقة مع الولاياتالمتحدة لأنه لا سبيل من ضغوط عربية على دولة الاحتلال فى حين أن الولاياتالمتحدة تقدم لها كل وسائل الحماية والعون. ◄ مخطط التهجير ومن جانبه أكد الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ الأدب العبري بجامعة الإسكندرية، أنه لا يجب الدفاع فقط عن صد مخطط التهجير والتركيز على الخطط العالمية لنهم طرد الفلسطينيين دون مواجهة للجرائم التى ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وهى جرائم اعترفت بها دولة الاحتلال ذاتها بمعنى أن هناك تصريحات علنية صادرة عن مسئولين حكوميين داخلها تحدثت عن أنه لا يوجد برىء فى قطاع غزة بمعنى أن الطفل الذى عمره يوم واحد يمكن استهدافه، بالإضافة إلى تجويع أهالى القطاع والتصريحات الخاصة بمنع الدواء والغذاء والأمر يحتاج إلى فريق قانون قوى يقوم بتحريك الدعاوى القضائية وتوظيف العوائد من التعويضات لصالح إعمار القطاع. وأضاف أنه لا يمكن الاعتماد فى عملية التعمير على الدول العربية الثرية كما الوضع فى كل جولة من الحروب السابقة ويجب أن تتحمل إسرائيل الفاتورة على الأرض أخلاقيا وقانونيا واقتصاديا، ومن المهم أيضا أن يكون ذلك فى إطار تكثيف الجهود لحل الدولتين فى مواجهة تصعيد عملية التهجير وتصفية القضية، ولابد أن يكون هناك ثمن لهذه الجرائم يتمثل فى إقامة الدولة الفلسطينية وإيجاد مسار للوصول إليها، وذلك بعد أن فشلت المذابح فى إثناء الشعب الفلسطينى عن الدفاع عن أرضه أو كسر إرادته كما أنها لم تدفعه للتخلى عن أرضه وهو ما يصب فى صالح حل الدولتين بصفته يحقق الأمن الإسرائيلى على أراضى العام 1948. وشدد على أنه حتى تاريخ تطبيق الهدنة فى 19 يناير الماضى كان هناك تبادل لإطلاق النار من الجانبين وهو ما يعنى أن المقاومة باقية ويثبت ذلك بالدليل فى عملية تبادل المحتجزين، كما أن استعانة نتنياهو برئيس أركان متطرف للجيش أمر لابد من تسليط الضوء عليه إذ إنه جاء بترشيح من سارة نتنياهو كما أن تعيين مشرف عام على المفاوضات مع حماس أمريكى الأصل يدغدغ مشاعر ترامب لكى يضغط على الدول العربية لكى تقبل بالتهجير، وهى مسائل يجب تسليط الضوء عليها خلال الفترة المقبلة.