وسط الطقوس الجنائزية التي صاغت مفهوم الخلود لدى المصري القديم، تقف تماثيل الأوشابتي شاهدًا صامتًا على إيمان لا يزول بالحياة الأخرى، ومن بين هذه الشواهد تبرز تماثيل أوشابتي البرونزية للملك بسوسنس الأول، التي جمعت بين تقاليد راسخة وابتكار ملوكي أعاد إحياء رموز العمل والخدمة الأبدية في عالم الآخرة. تُعد تماثيل الأوشابتي الجنائزية من أهم العناصر الرمزية في العقيدة المصرية القديمة، حيث صُممت لتكون خدمًا أبديين للمتوفى في العالم الآخر، يؤدون عنه الأعمال المطلوبة منه في حقول الآلهة، وقد حرص الملك بسوسنس الأول، أحد أبرز ملوك الأسرة الحادية والعشرين، على توظيف هذا التقليد بأسلوب مميز يعكس مكانته ووعيه الديني. - إحياء تقليد ملكي أعاد بسوسنس الأول إحياء عادة جنائزية كان قد تبناها من قبل الملكان رمسيس الثاني ورمسيس الثالث، تمثلت في إضافة مجموعة من تماثيل الأوشابتي المصنوعة من البرونز إلى جانب مجموعته الأساسية المصنوعة من القيشاني. ويُعد استخدام البرونز مادة نادرة نسبيًا في هذا السياق، ما يعكس ثراء الملك ورغبته في تمييز مجموعته الجنائزية بطابع استثنائي. - ملامح فنية ودلالات رمزية تتشابه تماثيل الأوشابتي في مظهرها العام، إذ ترتدي جميعها شعرًا مستعارًا ثلاثي الأطراف، وهو طراز شائع في تماثيل تلك الفترة، يرمز إلى الانضباط والهيبة، وتظهر الفروق الوظيفية بوضوح في الأدوات التي تمسكها التماثيل: - المشرفون: يمسكون في أيديهم المتقاطعة مذبات ذات مقابض سميكة تشبه الهراوات، في إشارة إلى دورهم القيادي والإشرافي. - العمال: يحملون زوجًا من الفؤوس، في دلالة مباشرة على المهام الزراعية والإنشائية التي سيؤدونها في العالم الآخر. وقد نُقش على الجانب الأمامي لمآزر المشرفين وعلى أرجل تماثيل الخدم نص جنائزي يحمل عبارة «أوزيريس الملك بسوسنس محبوب آمون»، وهو نص يؤكد اندماج الملك في عالم أوزيريس، إله البعث والخلود، ويبرز علاقته الوثيقة بالإله آمون، مصدر الشرعية الملكية في تلك الفترة. - السياق الأثري تنتمي هذه المجموعة إلى عصر الأسرة الحادية والعشرين، خلال حكم الملك بسوسنس الأول (حوالي 1039–991 قبل الميلاد)، وقد عُثر عليها في مدينة تانيس (صان الحجر) داخل المقبرة الملكية NRT III، الغرفة رقم 1، حيث وُجدت موضوعة أمام التابوت المصنوع من الجرانيت الأحمر. وتشير الدراسات إلى أن هذه التماثيل كانت محفوظة في الأصل داخل صندوقين من الخشب، إلا أن الرطوبة أدت إلى تلفهما، ما كشف عن التماثيل البرونزية في حالة حفظ جيدة نسبيًا، وأسهم في توثيق تفاصيلها الدقيقة. - قيمة تاريخية وفنية تمثل تماثيل أوشابتي البرونزية لبسوسنس الأول نموذجًا فريدًا للتفاعل بين العقيدة الدينية والفن الجنائزي في فترة اتسمت بالتغيرات السياسية، لكنها حافظت على عمقها الروحي، فهي لا تعكس فقط إيمان الملك بالحياة الأخرى، بل تكشف أيضًا عن حرصه على إحياء تقاليد ملكية عريقة، وتأكيد مكانته كحاكم شرعي محبوب من الآلهة. وهكذا، تظل هذه التماثيل الصغيرة شاهدًا خالدًا على تصور المصري القديم للخلود، وعلى قدرة الفن الجنائزي على تحويل الإيمان إلى معدن لا يصدأ عبر الزمن.