تكشف الآثار المصرية بين الحين والآخر عن تفاصيل دقيقة لطقوس الحياة والموت في العصور القديمة، ومن بين هذه الشواهد المميزة ما عُثر عليه داخل مقبرة الملك بسوسنس الأول في تانيس، حيث برزت مجموعة جنائزية فريدة تضم حامل مائدة القرابين السائلة وإناء "حس". وتمثل هذه القطع مثالًا واضحًا على قدسية الشعائر التي ارتبطت بالطقس الجنائزي الملكي، ودور الماء والزيوت المقدسة في رحلة الملك إلى العالم الآخر. - حامل مائدة القرابين السائلة وإناء "حس" للملك بسوسنس الأول تُعد هذه المجموعة الأثرية جزءًا مهمًا من الطقوس الجنائزية الخاصة بالملك بسوسنس الأول من الأسرة 21، الذي حكم في الفترة حوالي 1039–991 ق.م. وتم العثور عليها في مقبرته الملكية NRT III بمدينة تانيس (صان الحجر)، وهي واحدة من أغنى المقابر الملكية التي اكتُشفت في مصر القديمة. أولًا: حامل مائدة القرابين السائلة - يتكوّن الحامل من: عمود أسطواني يرتكز على قاعدة متسعة لضمان الثبات. - حوض دائري قابل للفك وُضع أعلاه ليحمل المياه أو السوائل المُقدمة كقرابين. كان هذا النوع من الأدوات يُستخدم في حفظ المياه المستخدمة في الطقوس الجنائزية، وخاصة المتعلقة بتقديم القرابين السائلة للمتوفى بهدف ضمان طهارته واستمرارية حياته في العالم الآخر. وُجد الحامل في الركن الجنوبي الشرقي من حجرة الدفن، ما يدل على وضع مقصود ضمن السياق الطقسي للغرفة. ثانيًا: إناء "حس" إناء "حس" من أشهر الأوعية الطقسية في مصر القديمة، واستخدم في: - صب القرابين السائلة المختلفة. - تقديم مياه التطهير خلال الطقوس. - تطييب المتوفى والزوار بالدهون والزيوت المقدسة. عُثر على الإناء في الركن الجنوبي الغربي أمام التابوت الجرانيتي الأحمر للملك، مما يعكس ارتباطه المباشر بطقوس التجهيز للدفن. - دلالات النقوش والألقاب تحمل كلتا القطعتين اسم الملك بسوسنس الأول، إلى جانب ألقاب مرتبطة بالآلهة الجنائزية، أهمها: - "محبوب أوزيريس" - "ون-نفر" (لقب من ألقاب أوزيريس) - "بتاح-سوكر-أوزيريس" تعكس هذه الألقاب التصور الديني للملك ككائن إلهي بعد وفاته، وضمان اتصاله المباشر بآلهة العالم الآخر. تكشف هذه المجموعة الجنائزية عن جانب مهم من الطقوس الدينية للملكية المصرية في عصر ما بعد الدولة الحديثة، وتؤكد استمرار رمزية الماء والزيوت في طقوس التطهير والقرابين، كما تسهم في توضيح مدى العناية التي حظي بها الملك بسوسنس الأول في رحلته الأبدية، وهو ما يظهر بوضوح في ترتيب الأدوات داخل مقبرته والنقوش التي تخلد ارتباطه بالآلهة الجنائزية الكبرى.