وسط رمال الدلتا في موقع تانيس الأثري، برزت كنوز استثنائية تعكس مزيجًا من الفن الراقي والعقيدة العميقة التي ميّزت مصر القديمة. من بين هذه الكنوز، جعارين وتمائم نُقشت عليها أسرار القلب، وارتبطت بطقوس الحياة الآخرة ومفاهيم الوعي والحكمة. تعود هذه القطع إلى الأسرة الحادية والعشرين، وتُعد من أبرز ما تم اكتشافه داخل مقبرة NRT III، لتكشف عن رؤية المصريين القدماء للقلب كجوهر للهوية والصدق والوعي الإلهي. تم العثور في مقبرة NRT III (الغرفة 2) بمنطقة تانيس (صان الحجر) على ثلاثة جعارين قلب استثنائية، تحمل بصمات العقيدة المصرية في مرحلة ما بعد الدولة الحديثة، وتحديدًا في عهد الملك آمون إم أوبت من الأسرة الحادية والعشرين. الجعران الأول (JE 86039) والثاني (JE 86042) نُقش على ظهر كل منهما الفصل 30 من "كتاب الموتى"، والذي يُعرف بدعائه الشهير للقلب بألا يشهد زورًا على صاحبه أمام محكمة أوزيريس في العالم الآخر. هذا النص يوضح أهمية القلب كمعيار للحكم الأخلاقي في حياة المصري بعد الموت. ويُرجح أن الجعران JE 86039 قد أُعيد استخدامه لاحقًا، حيث نُقش عليه اسم شخص غير ملكي، ما يُشير إلى احتمالية إعادة تدويره في فترة لاحقة. الجعران الثالث (JE 86041) صُنع من حجر اللازورد النفيس، ويتميز بنص مختلف يتناول القلب كمقر للوعي والذكاء، وهي نظرة فلسفية متقدمة تعكس رؤية المصريين للقلب كعنصر حيوي يتجاوز الوظيفة الجسدية إلى دور رمزي وروحي. إلى جانب الجعارين، وُجدت تميمتان ملكيتان (JE 86043 و JE 86044) مصنوعتان من اللازورد والذهب، وقد صُممتا على شكل العلامة الهيروغليفية "إيب" والتي ترمز إلى القلب. تمثل إحداهما الملك بلقب "محبوب أوزيريس، سيد أبيدوس". بينما تحمل الأخرى لقب "محبوب أتوم-رع"، في إشارة مزدوجة للصلة بين الملك والآلهة المركزية في الديانة المصرية. التميمتان كانتا تُرتديان كقلادتين، كما يدل وجود مقابض مثقوبة فيهما، مما يشير إلى استعمالهما الشخصي أو الطقسي في الحياة أو أثناء الدفن. تمثل هذه القطع النادرة مزيجًا من الإبداع الفني والعقيدة الروحية، حيث يعكس كل جعران وكل تميمة تصورًا فلسفيًا عميقًا عن العلاقة بين القلب، والضمير، والإله، والحياة الأخرى. إنها شهادات صامتة على عبقرية المصري القديم، الذي رأى في قلب الإنسان بوابة للحقيقة والحكمة الأبدية. اقرأ أيضا| أصل الحكاية| العروض في مصر القديمة.. طقوس مقدسة للتواصل مع العالم الإلهي