ليس بالعين وحدها على ربوة عالية، وقف ولدان صغيران يستمتعان بمشهد الغروب قال أحدهما: «لقد تحركت الشمس سريعاً حتى لامست خط الأفق؛ فمنذ فترة وجيزة كانت الشمس هنا فوق هذه الشجرة، إنها سريعة حقا!». وقال الآخر: «لكن الشمس لم تتحرك. الشمس ثابتة فى مكانها، الأرض هى تحركت! هكذا قال لنا أبى». وهنا نظر الأول إلى أخيه فى دهشة، وقال: «نعم سمعت أبى يقول ذلك، ولكنى رأيت الشمس بعينى رأسى تتحرك من موقعها فوق الشجرة حتى خط الأفق. كما أن الأرض لم تتحرك، إنها هنا فى مكانها منذ جئنا إلى هذه البقعة. أنظر إنها ثابتة.. الأشجار والأحجار والأثمار والآبار جميعها ثابتة لم تتحرك ولم تتبدل». وارتبك الأخ الأكبر وتلعثم، وهو يحاول إقناع أخيه بغير ما يرى، ثم ما لبث أن قال: «لك الحق يا أخى، فقد رأينا الشمس تتحرك والأرض ثابتة، ولكنى مع ذلك أصدق أبى». وقال الصغير: «وأنا أصدق عينىّ». كرة على الشاشة! جلس طفلان صغيران أمام شاشة التلفاز يراقبان - لأول مرة فى حياتهما - مباراة كرة قدم. لم يفهم الطفلان معنى اللعبة، ولا قوانينها، ولم يجدا مبرراً لكل هذا الصراع الذى يجرى فيه: الجميع وراء كرة واحدة، فإذا ما أدركها واحد منهم، فإنه لا يأخذها لنفسه ويهرب بها، بل على العكس من ذلك، فإنه يضربها بقدمه بشدة ليبعدها عنه! ورأى الطفلان فى ذلك عجباً!، ولم يفهما سر الصياح، والضجيج، والهتاف، والبكاء. مال أحد الطفلين على رفيقه، وقال: أظن أنهما عائلتان، وليسا عائلة واحدة، فلماذا لا تشترى كل أسرة كرة لأبنائها، فلا يتشاجرون مع الجيران؟! أجابه الطفل الآخر، قائلاً: لا فائدة من ذلك، فقد يتشاجر الإخوة أيضاً على الكرة الواحدة! الأفضل أن يشترى الأب كرة لكل فرد فى الأسرة ليعيشوا فى سلام! سرّ الساعة المتوقفة! كانت السيدة الأنيقة تلبس ساعتها الثمينة حين تعرضت لعاصفة رعدية عنيفة، كادت تودى بحياتها، لكنها نجت بأعجوبة نادرة.. غير أن ساعتها توقفت تماماً عند لحظة وقوع العاصفة! وعرضت السيدة ساعتها على محل شهير لإصلاح الساعات؛ فقام بفحصها فحصاً دقيقاً، ثم أعادها معتذراً عن فشله فى إصلاحها، وأوصى بعرضها على المصنع الذى أنتجها. وفى المصنع الكبير، أعاد المهندسون فحص الساعة، فلم يجدوا بها عيباً. فجميع أجزائها الدقيقة سليمة تماماً، ولم يتلف من أجزائها ما يمكن إصلاحه، أو استبداله. ومع ذلك فإنها لا تتحرك. ووسط حيرة شديدة، أدرك المهندسون أن الساعة قد تعرضت لتأثير عاصفة صاعقة، أكسبت كل الأجزاء الداخلية المتحركة قوى مغناطيسية شديدة أدخلت عليها نوعاً من الشلل؛ وأخضعتها لحالة من الثبات. وقال المصنع إن هذه الإعاقة تشمل كل التروس، والمسامير والأحجار، ولا يمكن الإبقاء على شىء من مكوناتها، فجسم الآلة كله قد صار عاجزاً! بيضة فى إيطاليا! تعرّفت إلى سائح كندى، كان يزور مصر فى أحد لقاءاتنا قبل سفره، بادرنى بالقول: يؤثر عن أحدهم، قوله: «إن المرء يجب أن يفهم لغة البلد الذى يعيش فيه، أو يزوره». وتبينت لى صحة هذا الكلام خلال زيارتى إيطاليا. فقى صباح اليوم الأول فى الفندق، أردت أن أطلب بيضة للفطور. ولم يكن الخادم الشاب يحسن سوى الإيطالية، فجرّبت الكلمة الإنجليزية egg، فلم يأتِ حركة، تدل على أنه فهم. وأخبرته بالفرنسية: oeuf، ثم بالألمانية ei، فباللاتينية ovum، وأخيراً بالمجرية tojas. فلم ألقَ سوى نظرة حائرة. رباه كيف أحظى ببيضة لفطورى؟ فجأة طرأت على بالى فكرة، فأخذت ورقة ورسمت بيضة. وأتت النتيجة مدهشة، إذ هتف الخادم فرحاً: Si, si. Patate!، وهى تعنى بالإيطالية: بطاطا. فهززت رأسى، وسارعت إلى رسم فنجان تحت البيضة. فقال الخادم باسماً: Si, si. Aqua!، أى ماء. فأشرت إليه بأنه مخطئ، وصنعت رسماً آخر. فصاح الخادم بحماسة: Si, si. Pollo، أى دجاجة. عند ذاك استسلمت، وسألته أن يحضر لى Colazione، وهى الكلمة الإيطالية التى تعنى الفطور. وما هى إلا خمس دقائق، حتى أتانى: بالقهوة، والزبدة، والمربى، والخبز، وببيضة مسلوقة. ذاك كان الفطور اليومى فى الفندق! المزاد حدث هذا فى إحدى صالات المزاد التى تباع فيها الأشياء القديمة... من سيبدأ المزاد؟... جنيه واحد.. اثنان.. اثنان فقط.. من سيقول ثلاثة؟! هذه المرة لم يشأ بائع المزاد أن يضيع وقته فى بيع هذا الكمان القديم والمترب، فلم يرفع سعره أكثر من ثلاثة جنيهات.. لعل أحد المزايدين يشتريه! فجأة تقدم رجل من الخلف، وسط زحام الجموع المحتشدة فى المزاد، والتقط القوس وبدأ ينظف الكمان من الأتربة العالقة به، وأخذ يشد أوتاره المرتخية، ثم عزف عليها لحنا بديعاً وسط دهشة الحاضرين.. لحناً شجياً سبح فى أرجاء القاعة، وكأنه صياد ماهر يصطاد قلوب سامعيه! ويا للدهشة!... يا للعجب! إذ ارتسمت على وجه بائع المزاد ابتسامة عريضة، وأخذ ينادى على ذات الكمان بهمة وحماس زائد، هكذا: مَن يزايد على هذا الكمان القديم؟! ألف جنيه! ألفان!... من سيقول ثلاثة آلاف؟! ثلاثة آلاف.. سأقولها للمرة الأخيرة. إذا لقد ربحته... ربحته.. وأخذه المشترى وسط دهشة وذهول الجميع! كيف تغيرت حالة الكمان القديمة؟ وكيف ارتفع سعره هكذا من ثلاثة جنيهات إلى ثلاثة آلاف؟!.. إنها يد العازف!