في زمنٍ يعلو فيه صوت الشكوى، يخرج من بين الأزقة شابٌ قرر أن يجعل من أوجاعه سُلّمًا للنجاة، ومن عجزه قوة، ومن سقوطه بداية جديدة. لم يحمل لافتة يطلب بها تعاطف المارة، بل حمل حلمًا وسار به على ثلاث عجلات، ليكتب قصة كفاح تُدرّس في هندسة الحياة قبل هندسة المباني. إسلام الشنواني، شاب من قرية شنوان التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، يبلغ من العمر 25 عامًا، كان طالبًا في كلية الهندسة قبل أن يتعرض لحادثٍ صعب غيّر ملامح حياته. الحادث أثّر على يده ورجله وصوته، ولم تتوقف المعاناة عند الألم الجسدي، بل امتدت إلى التنمر والنظرات القاسية التي اضطرته إلى ترك دراسته والبحث عن طريق جديد للرزق بكرامة. اختار إسلام أن يبدأ من الصفر، ففتح محلًا صغيرًا لبيع الفاكهة، ثم انتقل بعدها إلى البيع في الشارع. لكنه لم يرضَ أن يكون بائعًا عاديًا؛ فالروح الهندسية لم تفارقه يومًا. قرر أن يحوّل "التروسيكل" إلى مشروع ذكي متحرك، فعدل في صندوقه ليصبح قابلاً للرفع والخفض، ليسهل عليه عرض الفاكهة وإنزالها أثناء الحركة. ولم يتوقف عند ذلك، بل أضاف "تندة" لحماية الفاكهة من الشمس والمطر، وركب مرآة مخصصة لتوضيح عرض البضاعة للمارة، وأضاء الصندوق بأنوار خاصة ليلاً، ليحوّل عربة بسيطة إلى وحدة عرض متنقلة تُبهر كل من يراها. بائع الفاكهة... وصانع الفكرة يقف إسلام كل يوم في شارع صبري أبو علم بمنطقة بشاير الخير، من بعد الظهر حتى ساعات متأخرة قد تصل إلى الحادية عشرة ليلًا. لا يبيع الفاكهة فحسب، بل يبيع معها رسالة صامتة عنوانها: "الاجتهاد لا يعرف المستحيل". يعرض موزًا وتفاحًا وبقية أصناف الفاكهة بجودة يحرص عليها بنفسه، ويُصرّ أن تكون بضاعته نظيفة وجذابة ومرتبة، وكأنها معروضة في متجر فاخر لا على عربة شارع. قصة إسلام ليست مجرد حكاية شاب يبيع الفاكهة، بل شهادة حيّة على أن الإرادة أقوى من الانكسار، وأن الإنسان قادر على إعادة تشكيل حياته مهما كانت الظروف قاسية. ترك كلية الهندسة، لكنه مارسها بطريقة أخرى... هندسة الواقع، وهندسة الصبر، وهندسة الروح التي لا تنكسر. إسلام الشنواني لم يختر الألم، لكنه اختار أن لا يكون ضحيته. من تروسيكل بسيط صنع مشروعًا، ومن حادث موجع صنع حكاية ملهمة. هو ليس مجرد بائع فاكهة في شارع... بل مهندس أمل يمشي بين الناس على ثلاث عجلات، ويزرع في القلوب يقينًا بأن الحلم لا يضيع طالما صاحبه لم يستسلم. اقرأ أيضًا| ذاكرة المدن العتيقة.. «سيد جلال» قنديل لا ينطفئ