مأساة هذا الشاب الذي هو في مقتبل الحياة بدأت بصمت لكنه الوجع، لم يأتِ وجعه من جرح ظاهر ولكنه صنعه التفكك الأسرى، فتح له باب الوحدة، ثقلت روحه باضطراب نفسي دفعه إلى دوامة أشد ظلمة؛ دوامة الإدمان التي ابتلعت استقراره، وتوالت بعدها مأساة مصطفى من مصحة لعلاج الإدمان إلى مستشفى يحاول أن يداوى فيها الأب اضطراب ابنه النفسي، والنهاية كانت أكثر من مأساة، نحكيها في السطور التالية وكما جاءت على لسان الأب. قرار الانفصال واحد من اكثر القرارات التي تهز جدار الاسرة، ليس قرارًا عاديًا أو خطوة بسيطة كما يعتقد أو يراها البعض، داخل الكثير من البيوت يصل الزوجان الى لحظة يصبح فيها البقاء معا مخاطرة، تكون استحالة العشرة بينهما واقعا، هنا يكون الانفصال هو الخيار الأفضل لاستقرار الطرفين، والحفاظ على ماتبقى من احترام بينهما ولحماية باقي أفراد الاسرة التي لم تعد قائمة..على الجانب الآخر أطفال يدفعون الثمن لا يفهمون أو يدركون معنى الخلاف يستقبلون الانفصال كالزلزال يهز قلوبهم وكيانهم، البعض يخرج منه سليمًا والبعض يظل عالقا في عقله وروحه وتهاجمه وتتكالب عليه الامراض من اضطرابات نفسية، عزلة شرود، هروب أو فشل في الدراسة أو ركوض خلف أصدقاء السوء الذين يفتحون لهم أبوابا لا تغلق بسهولة، والانزلاق إلى الإدمان والضياع فالانفصال رغم ضرورته أحيانا يتحول لكابوس طويل يرافق بعض الأبناء لسنوات ويسرق استقرارهم للابد، ومن قلب هذه الحقيقة المزدوجة؛ محاسب يحكي قصة حياته بعد الانفصال وتأثيره على نجله الأصغر وإصابته بالاضطرابات النفسية التي نتج عنها إصابته بالذهان والانفصام والانجراف نحو أصدقاء السوء والادمان، والمعاناة التي واجهها الاب في رحلة علاج نجله داخل المصحات والمستشفيات النفسية نتيجة للانفصال لأكثر من 20 عامًا. بداية الحكاية أتى محاسب يدعى أحمد. ع، أب «66 سنة على المعاش، يقيم في منطقة دار السلام إلينا في»أخبار الحوادث»بدا عليه الحزن والحيرة تحدث إلينا عن تجربته ومعاناته مع مرض نجله الأصغر منذ أن انفصل عن والدته، قال بأسى: ابني مصطفى يبلغ من العمر 29 سنة، كان عمره 7سنوات عندما انفصلت عن والدته، أصغر أخواته لا يعرف شيئا عن العالم، ولم يكن مستعدًا لتقبل الفراغ الذي تركه انفصالي عن والدته في حياته، رفض أن يتقبل الواقع تمسك بما فقده وبدأ يبحث عن أي سند يمكن أن يعوضه حرمان أمه، أصيب باضطرابات نفسية شديدة بعد انفصالي عن والدته، السبب الذي دفعه لمصادقة أصدقاء السوء وانجرف وراءهم سريعا ومعهم بدأ مشوار الإدمان فدخله من باب الوحدة مع اضطرابات نفسية لم اكن اعلم أن الانفصال سيسبب له كل هذا العنف والارتباك، كل يوم كنت أرى ملامحه تتغير أمام عيني، انفصل عن الواقع صار يعيش في عالمه الخاص يعاني من نوبات ذهان واضطرابات نفسية حادة، ويوم بعد الآخر يزداد سوءًا، اصبح منطويًا على نفسه يخاف من أي شيء، متوتر من كل حاجه حاولت اقترب منه واضمه لحضني لكن سبقني نحو أصدقاء السوء ولقيت الإدمان فتح له ابوابه قبل ما ألحقه. حب وزواج صمت الأب قليلا، وفي صمته هذا طلبت منه أن يحكي لنا قصة زواجه وانفصاله..، بصوت يعتليه الحزن قال لنا: «قبل 30 عامًا اتخذت قرار الزواج من الفتاة التي أحبها قلبي واخترتها زوجة لي وكان هو القرار الأكبر والأخطرالذي اتخذته في حياتي، انا كنت فاكر اني اخترت صح فاكر أن البنت اللي حبيتها في الجامعة هتكون هي السند ورحلة العمر كله كنت بحبها حب كبير حب طالب بسيط شايف في زميلاته المستقبل كله، بيت وأولاد وراحة بال وهي كمان لا أنكر أنها كانت تحبني وارتبطنا وإحنا مصدقين أن الحياة هتضحك لنا زي أيام الجامعة، وتكلل الحب بالزواج الذي استمر 12 سنة، عشرة عدوا بس كانوا مش زي ما كنت بحلم كانوا مليانين خلافات شد وجذب، لم أندم اني أحببتها ولاندمت أني اتجوزتها بس اتعلمت أن الحب وحده مش كفايه وان مش كل اللي بنحبه ينفع يعيش معانا العمر، بعدها انجبنا ثلاثة أطفال في عمرالزهور، لكن كنت أشعر أن الحياة تضيق بنا، بعدها أنا قررت الانفصال بالاتفاق بينا، اثنان من الأولاد تجاوزا الازمة واكملا دراستهما وواصلا حياتهما أما الثالث مصطفى حمل الانكسار قي قلبه الصغير ولم يكن يفهم معنى كلمة الطلاق ولماذا لم يعد والده ووالدته يعيشان تحت سقف واحد؟، كان يبكي كل ليلة ويتوسل لي قائلا: «ارجع لماما انا مش عايز كل واحد لوحده يابابا»، لكن القرار كان بالنسبة لي محسوم في النهاية، بس عمري ما تخيلت آثاره، المهم كنت أب وأم في نفس الوقت لمدة 7سنوات، رفضت الزواج في البداية عشان خاطر أولادي خايف عليهم من مرات أب لا تراعي ربنا فيهم، لكن امهم بعد انفصالنا بسنة اتجوزت وليت زواجها استمر لكنها انفصلت عن زوجها ورجعت تعيش لوحدها مرة تانيه «مصطفلا»كان بيتردد على امه باستمرار بعد انفصالها لانها كانت عايشة لوحدها وأنا عمري ما منعت أولادي عن زيارة أو رؤية أمهم حتى قرار الانفصال نفسه كان بالاتفاق وبشكل محترم، كل واحد فينا راح لحاله بالتراضي، ومصطفى عاش في حضانتها بعد انقصالنا 4 سنوات، وعندما بدأ سن المراهقة لمحت استهتاره، عايز كل حاجه تيجي لحد عنده من غير ما يتعب، وأخذ يتأخر خارج البيت وأمه كانت تداري عليه وتخبي تصرفاته عني،إلى أن بدأ يصاحب شلة من أصدقاء السوء، ومع تدهور حالته الصحية والاضطرابات النفسية والحالة الاجتماعية التي يمر بها اتبع أصدقاء السوء وبدأ يطلب من والدته أموالا، ثم تطور الأمر ياخد حاجات من بيت أمه ويبيعها ويتطاول عليها بالكلام والضربإلى أن أتت عندي وحكت لي عن تصرفاته وقالتلي على كل حاجه مابقتش مصدق ومش عارف أعمل ايه أو أبدأ من فين عرفت كل حاجه متأخر»! ومن بعد صمت لم يطل عاد الأب يقول: «حاسس بذنب كبير تجاه ابني من يوم ما انفصلت عن أمه وسبته وهو عنده سبع سنين، الولد لم يتحمل فراق امه وأنا كنت فاكر ان الجرح هيخف مع الوقت لكن الحقيقة أن الصدمة كانت اكبر من سنه واحتماله، كل ليلة كنت بشوفه يبعد خطوات وانا بحاول أقربه مني لكن للأسف لم أنجح في رأب الصدع الذي حدث لابني، اتقلب لإنسان تاني، تخبط نفسيًا وتأخر دراسيًا بعد الانفصال كان جواه حرب وما كنش بيحكي عنها لحد ما جات اللحظة اللي عمري ما كنت اتخيلها؛ اضطرابات نفسية حادة هلاوس ذهنية..ذهان مش شايف الدنيا ولا شايف نفسه بدأ يبحث عن مهرب فوجده في المخدرات خطوة وراء خطوة انزلق مصطفى الى الإدمان حتى وصلت حالته إلى مرحلة خطيرة وتم تشخيص مرضه بالانفصام والذهان نتيجة الصدمات المتراكمة. سنين من العلاج يستطرد الأب قائلا: بدأت رحلة علاجه من وهو طفل في بداية الانفصال أصيب باضطرابات نفسية شديدة لدرجة أنه كان بيكلم نفسه ويدخل غرفته يصرخ، عرضته على أكبر الأطباء النفسيين اكدوا انه اضطراب نفسي شديد نتيجة صدمة أدت الى إصابته بالانفصام وتطور الأمر الى ذهان، لم تقل لي أمه أن الأعراض بدأت تظهر وهو في المرحلة الثانوية، ومن اضطرابات نقسية شديدة الى مصاحبة أصدقاء السوء والانزلاق لنفق الإدمان، بدأت معه رحلة علاج مكثفة أخذته الى مصحات خاصة ودفعت فيها آلاف الجنيهات وأخرى غير مرخصة، أطباء نفسيون وبرامج علاجية ووعود كاذبة سنة وراء التانية وحالته تسوء أكثر وكل ما أقول «يمكن دي المرة اللي هيقوم فيها ألاقيه يرجع أضعف من الأول لحد ما استنزفت كل مالي وبعد خروجي على المعاش لقيت نفسي واقف بإيد فاضية خاصة أن عندي بيت تاني مفتوح زوجة وأولاد ومحتاجين كل الدعم وابني حالته تسوء. وتابع الأب قائلا: لم انتظر جريت بيه على أكثر من مصحة خاصة مرخصة، استنزفت كل أموالي وحالته كما هي نتيجة عدم الاهتمام والإهمال الموجود داخل هذه المصحات،يومين علاج وعشرة إهمال داخل كل الأماكن العلاجية التي ذهبنا اليها وأخرها ذهبت به لأحدى المستشفيات الخاصة بمنطقة حدائق الأهرم، استمر فيها ما يقرب من 7 أشهور دون أي تحسن، اخدوا مني 75 ألف جنيه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وجدت حالة ابني الصحية على غير ما يرام فأخرجته من المستشفى وكشفت عليه لدى طبيب واثبت الكشف الطبي، أن ابني يعاني من عدوى الجرب ويحتاج للعلاج لمدة أسبوعين، حررت محضرًا بتضرري من إدارة المستشفى التي كان نزيلا بها يعالج من الإدمان وحالته النفسية برقم 49184 إداري قسم شرطة الهرم،المأساة مش بس ابني في حالات تانيه كتير علشان كده أنا حررت المحضر ضد المستشفى وجاري التحقيق في الواقعة. حريق وأضاف الأب بأسى: ابنى حاول إشعال النار مرتين فوق سطح المنزل وكان البيت هيتحرق لولا أنني انتبهت وربنا ستر ساعتها وتمكنا من إخماد النار لاحترقنا ونحن نيام، لدرجة أني مش بعرف انام خايف على بيتي وعيالي وكمان خايف عليه هو من نفسه لأنه غير مدرك لتصرفاته،أنا بين نارين واجبي كأب ان لازم اعالجه وخوفي عليه من المصحات الخاصة، لذا أستغيث بوزير الصحة الإنسان الدكتور خالد عبد الغفار إنقاذ ابني قبل ما يضيع مني. اقرأ أيضا: أخصائي علم نفس: الإدمان ما زال وصمة عار والمجتمع بحاجة لتغيير جذري