العالم كله يتجه الآن إلى المصادر البديلة للطاقة البترولية لتوفير الحاجة المتزايدة للكهرباء.. وهى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.. والطاقة النووية السلمية . فى حياة الأمم والشعوب لحظات فارقة فى عمر الزمن، تتحدد فيها مصائر وتتخذ فيها قرارات لها تبعاتها وتداعياتها، ولها بحكم المعنى والدلالة وقوة التأثير قدرة كبيرة على مسيرة هذه الشعوب وتلك الأمم وأثر بالغ على مستقبلها. وفى تاريخ مصر الحديث كانت ولا تزال هناك لحظات عديدة لها من المعنى والدلالة وقوة التأثير ما يترجم فى حقيقته وجوهره الإرادة الحقيقية لتغيير الواقع والنهوض لتحقيق طموحات الأمة فى مستقبل أفضل بإذن الله. من هذه اللحظات ذات المعنى والدلالة وقوة الأثر قرار دخول مصر للعالم النووى من باب الاستخدام السلمى للطاقة النووية،..، وذلك بالبدء فى بناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء،..، إيذانًا بدخول مصر ذلك المجال الحيوى الذى أصبح سمة من سمات العصر، لابد من الدخول فيه والسير داخله والغوص فى أعماقه، باعتباره فاتحة لمجالات علمية واقتصادية لا يمكن تجاهلها أو التخلف عنها. الطاقة النظيفة وليس سرًا أن المحطات النووية لإنتاج الكهرباء ليست خيار مصر الوحيد، بجوار استخدام البترول والغاز فى إنتاج الكهرباء من محطات قائمة بالفعل وأخرى تتم إقامتها،..، ولكن هناك خيارات أخرى بجوار ذلك وليست بديلة عنه،..، ويدخل فى هذا التوسع والتطوير الجارى حاليًا فى استخدام الطاقة النظيفة فى إنتاج الكهرباء من الرياح والشمس فى إطار خطة محددة وشاملة ومتكاملة الجوانب لبناء أكبر وأضخم المحطات لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح بالإضافة إلى إقامة محطات ضخمة للطاقة الشمسية،..، بحيث يتم الوصول إلى هدف أساسى، وهو أن تصبح محطات الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية منتجة لما يعادل «20٪» عشرين بالمائة من حاجة مصر من الكهرباء،..، وهذا كما ذكرنا ليس بديلًا عن الاستخدام السلمى للطاقة النووية فى إنتاج الكهرباء.. بل بجوارها ومتوازيًا معها. وأحسب أن هناك سؤالًا يراود البعض حول لماذا تأتى الرغبة أو التوجه إلى الطاقة النووية كوسيلة لإنتاج الكهرباء؟! وللإجابة على هذا التساؤل الذى يراود البعض.. لابد أن نضع فى اعتبارنا الحقيقة التى أصبحت واقعًا لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه، وهى أن العالم يواجه بالفعل عطشًا متزايدًا فى موارده البترولية، وأن مصادر البترول والغاز الطبيعى فى العالم كله بدأت فى الوقوف موقف العاجز عن الوفاء بالاحتياجات المتزايدة من الطاقة،..، وأن العالم كله وليست مصر فقط قد اتجه بالفعل إلى المصادر الأخرى والبديلة المتاحة للوفاء بهذه الاحتياجات،..، وهى بالتحديد الطاقة النظيفة من الشمس أو الرياح.. والمحطات النووية المنتجة للطاقة الكهربائىة،..، وهذا ما فعلته وتفعله مصر. أسعار البترول وفى هذا الخصوص لعلنا لاحظنا جميعًا خلال السنوات القليلة الماضية، الاشتعال فى أسعار البترول، ووصولها إلى آفاق وأرقام لم تكن تخطر على بال الكثير من الناس، حيث تجاوز سعر برميل البترول أرقامًا مرتفعة جدًا ولم تكن واردة فى الحسبان قبل ذلك. وكلنا يعلم أن هذا الارتفاع فى أسعار البترول يعود فى الأساس، من وجهة نظر الخبراء والمتخصصين، إلى عدة عوامل رئيسية فى مقدمتها زيادة الطلب على البترول نتيجة ارتفاع الاستهلاك العالمى بصورة متزايدة بصفة عامة، وزيادة حاجة الصين والهند إلى البترول للاستمرار فى ضمان موارد الطاقة اللازمة لهما، للحفاظ على المعدلات المرتفعة فى التنمية الطموحة فى كل منهما، وما يستلزمه ذلك من كميات متزايدة من البترول والغاز لمواكبة ازدياد المشروعات الصناعية والإنتاجية فى كلتا الدولتين. هذا بالإضافة إلى الزيادة فى استهلاك اليابان والولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا.. وبقية أنحاء العالم،..، وقد تواكب ذلك مع اشتعال الأزمات والقلاقل فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهو ما يلقى بظلاله على افتقاد الأمان والاستمرارية فى خطوط ووسائل الإمداد، وضمان إنتاج مستقر ومتزايد لمصادر البترول والغاز فى ظل ما طرأ على إنتاج وتصدير البترول العراقى والإيرانى.. والغاز الروسى.. وكلها توترات وأزمات تهدد مصادر الإنتاج والتصدير.. وهو ما يؤدى إلى عدم الاستقرار فى سوق النفط. وهذه الظروف كلها مع متغيرات أخرى كثيرة على مستوى العالم جعلته يعطى اهتمامًا متزايدًا بمصادر الإنتاج الأخرى والبدائل المتاحة للطاقة غير البترول والغاز أو بجوارها. الواقع المصرى وإذا كان ذلك جاريًا فى العالم كله، فإن مصر لها وضع خاص أكثر صعوبة من بلاد كثيرة فى هذا الشأن، وهذا يتضح من الآتى.. أولاً: لكونها دولة غير بترولية، وإذا أردنا الدقة نقول إنها تكاد تنتج ما تحتاجه من الاستهلاك وفقًا لخطة التنمية وكذلك ما تحتاجه من استهلاك للكهرباء بالمنازل.. إلا قليلًا. ولكننا نستورد بعض المنتجات البترولية مثل السولار والبوتاجاز للوفاء بحاجة الاستهلاك المتزايدة نتيجة زيادة التنمية والسكان والتزام الدولة تجاه كافة المواطنين. ثانيًا: هناك عبء تتحمله الدولة فى إطار دورها الاجتماعى والتزامها بالتخفيف عن الفئات محدودة الدخل، وهو ما يتمثل فى الحاجة إلى دعم أسعار الطاقة بقدر المستطاع. ثالثًا: ارتفاع حجم الاستهلاك المصرى فى الطاقة الكهربائىة فى ظل ارتفاع معدلات التنمية، وفى هذا علينا ان ندرك أن ارتفاع معدلات النمو يأتى نتيجة ازدياد المشروعات الإنتاجية والصناعية وكذلك الخدمات، وما تحتاجه من طاقة كهربائية وغيرها.. وكذلك زيادة الاستهلاك المنزلى.. وكل ذلك يحتاج إلى زيادة وتنوع مصادر الطاقة، ووجود مصادر أخرى غير المواد البترولية تفى بالاحتياجات الأساسية فى الاستهلاك وحاجة التنمية. رابعًا: وفى هذا علينا أن نتفق على أن الحكمة تقتضى منا معرفة أن مصادر الطاقة الكربونية «البترولية» فى مصر والعالم متجهة إلى نفاد، أى أنها تتجه إلى النضوب خلال فترة من الزمن طالت أو قصرت،..، بحكم كونها قدرًا محدودًا مخزونًا فى باطن الأرض ويتم استهلاكه ويتناقص دائمًا وفقًا لمعدلات الاستهلاك،..، ولذلك لابد من العمل، بل من الضرورى العمل على إيجاد بدائل أخرى غير المواد البترولية لتوفير الطاقة اللازمة فى الإنتاج والتنمية والاستهلاك المنزلى. قرار استراتيجى وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله ومن قبله وبعده، إنه من غير المتصور أن تقف مصر، وهى الدولة ذات الثقل والوزن حضاريًا وتاريخيًا، موقف المتفرج على العالم كله الذى دخل ومنذ نهاية النصف الأول من القرن الماضى إلى مجال الطاقة النووية، وبدأ فى استخدام إمكانياتها السلمية فى الصناعة والإنتاج، بينما نحن نقف خارج هذا المجال. أعتقد أن ذلك لا يصح ويجب ألا يكون ولا يعقل أن يستمر. من أجل ذلك كله كان القرار الإستراتيجى بدخول مصر للعالم النووى من بوابة الاستخدام السلمى للطاقة النووية قرارًا مستحقًا.. بل وواجبًا وضروريًا فى ذات الوقت .