في زمنٍ تتسابق فيه الأصواتُ نحو الشهرة، يظل صوت القرآن هو الأصدق حين يخرج من قلبٍ يعرف طريقه إلى السماء. ومن قرية بجيرم الهادئة بمركز قويسنا - محافظة المنوفية، يشق الشاب الشيخ محمد ماهر الشناوي طريقه نحو المجد، بعد أن بلغ التصفيات النهائية في برنامج "دولة التلاوة"، البرنامج الأكبر عربيًا لاكتشاف أصوات قرّاء القرآن وتقديم نماذج مضيئة من شباب الحفظة والموهوبين. موهبة وُلدت مع النَّفَس الأول لم يكن وصول الشيخ محمد إلى هذه المرحلة محض صدفة، بل كان حصاد سنوات من الاجتهاد، زرعتها الأسرة، وسقاها هو بجهده وصبره وانضباطه. نشأ في بيتٍ يُجلّ القرآن، وتربّى على يد مشايخ كبار في القرية، فأخلص لصوته، وأخلص لصديقٍ لا يخونه أبدًا: كتاب الله. منذ صغره لُوحظ صوته المميز، تلك النبرة الدافئة التي تجمع بين جمال الأداء وقوة الإتقان. ومع مرور السنوات، تحوّل الصوت الذي كان يتردد صداه في مساجد بجيرم إلى صوت يُسمع الآن عبر شاشة عربية كبرى.يتابعة الملايين. "دولة التلاوة": منصة أظهرت الذهب من بين الأصوات يُعد برنامج "دولة التلاوة" أحد أهم المبادرات الإعلامية التي أعادت الاعتبار لصوت القارئ الشاب، وأبرزت مواهب تستحق أن تُعرَف وتُقدَّم. الوصول إلى التصفيات النهائية ليس بالأمر الهيّن؛ فالمنافسة شرسة، والمقاييس دقيقة، واللجان تضم نخبةً من كبار المتخصصين في علوم التلاوة والمقامات. أن يصل محمد لهذه المرحلة يعني أنه تجاوز أصعب اختبارات الأداء، ونجح في ترك أثر حقيقي على لجنة التحكيم والجمهور، وهو ما يعكس قيمة موهبته وإخلاصه في حمل رسالة القرآن. دعمٌ شعبي ورسالة تتجاوز حدود القرية لم تعد قرية بجيرم مجرد نقطة على الخريطة، بل تحولت إلى بؤرة اهتمام ومصدر فخر لأبنائها، الذين يتابعون خطوات محمد بكل شغف. الشوارع التي شهدت أولى تلاواته أصبحت اليوم تتغنى باسمه، والمساجد التي اعتاد أن يقرأ فيها تُخصص الدعاء له مع كل صلاة. هذا الدعم الشعبي لم يأتِ من فراغ، بل لأنه شاب قدّم صورة مشرّفة للقرية وللمحافظة كلها، محافظًا على أخلاق القارئ، وسلوك طالب العلم، ومكانة الحافظ. خطوة قبل الحلم اليوم يقف الشيخ محمد على بُعد خطوة من منصة التتويج. خطوة تحمل بين طيّاتها حلمًا شخصيًا، وفخرًا لعائلته، ورمزًا لجيلٍ جديد من القرّاء الذين يعيدون للقرآن مكانته في نفوس الشباب. وإن شاء الله—كما تقول دعوات أهله ومحبيه—هو يستحق الفوز، لأن الوصول إلى هنا لم يكن رحلة صوت فقط، بل رحلة روح، واجتهاد، وإخلاص، ومسيرة تليق باسمه وباسم بلدته. وإن صعود موهبة مثل محمد ماهر الشناوي ليس مجرد خبر عابر، بل تأكيد أن مصر، وريفها تحديدًا، ما زالت تنجب القراء الذين يعطرون الدنيا بأصواتهم. وهي رسالة أمل لكل شاب يسعى ليكون له أثر: من قرية صغيرة قد ينطلق صوتٌ يُسمِع العالم كله.