دائما نحن فى حاجة ماسة لمواجهة الفكر المتطرف، وفى وقتنا الحالى، وقت البناء والعمل الجاد، يطل علينا كتاب «أقلام واجهت الإرهاب.. كتاب ومفكرون أسقطوا أقنعة الإخوان» الصادر عن مؤسسة روز اليوسف ضمن سلسلة الكتاب الذهبى، ليعيد إلى الواجهة أصوات كبار المفكرين والكتاب الذين تصدوا عبر عقود طويلة لخطاب «الإخوان» وكشفوا زيف شعاراتها. اقرأ أيضًا| عادل حمودة: «عملت حارساً بفندق في باريس وبياع شاورما في مطعم سوري» الكتاب ليس مجرد تجميع لمقالات، بل هو شهادة فكرية وتاريخية توثق معارك القلم ضد التطرف، وتبرز دور المثقف فى حماية المجتمع من الانزلاق وراء أوهام الشعارات الدينية المسيسة. من خلال صفحات هذا الإصدار، يتعرف القارئ على إرث فكرى متنوع، يجمع بين مقالات عباس محمود العقاد، إحسان عبد القدوس، محمد التابعى، وحيد حامد، وغيرهم من الأسماء التى شكلت وعى أجيال كاملة، وأسهمت فى فضح تناقضات الجماعة منذ نشأتها وحتى سقوطها. وتأتى شاهدات كبار الكتاب والمفكرين لتؤكد أن الكلمة كانت وما زالت السلاح الأقوى فى مواجهة الفكر الظلامى. اقرأ أيضًا| يناير الحزين.. وفاة الكاتب الصحفي الشهير عبد الحكيم الأسواني فبين دفتيه تتجسد معارك القلم ضد محاولات استغلال الدين وتزييف الوعى، ليبقى شاهدًا على دور المثقف فى حماية المجتمع وصون العقل الجمعى. إنه دعوة مفتوحة للقارئ كى يستلهم من هذه التجارب قوة الفكر، ويواصل اليقظة أمام كل خطاب يسعى إلى اختطاف العقول باسم الدين أو السياسة. العقاد: منهج «الإخوان» يتطابق مع الحركة الصهيونية، والأصول المجهولة لمؤسسة البنا محمد التابعى: لم يخطر ببال أحد وهو يطرق باب «الإخوان»، أنهم سيجعلون منه قاتلاً وغادراً، لئيما باسم دينٍ حنيفٍ يدعو إلى التسامح إحسان عبد القدوس: يقظة «البوليس» قد تنتهى بتطهير البلاد تطهيراً كاملاً من مخابئ الأسلحة وأوكار جماعة الإخوان محمد سعيد العشماوى: متى كانت جماعة الإخوان كتيبة للإسلام المعتدل المستنير؟ وتاريخها فى العنف والتطرف والقتل والاغتيال والإرهاب والإسفاف معروفٌ ومكشوفٌ للجميع من خلال كلمات وشهادات كبار الكتاب والمفكرين نقرأ: فتنة إسرائيلية بقلم عباس محمود العقاد، ثم: ماذا بعد الإرهاب لإحسان عبد القدوس، والضحايا والمساكين لمحمد التابعى، ولنتوقف أمام خطر لا يقل عن الإرهاب كتبه أحمد حمروش، والمحاكمة صاغه عادل حمودة، وفُرصة أخرى للإرهاب لصلاح حافظ، وأقصى ما يطمح إليه الإرهابيون لشريف جلاب، ثم الهجمة ضد الحريات والديمقراطية كتبه عبد الستار الطويلة، وإنذار جاثم للإرهابيين لمحمود التُهامى، والكذب فوق المنابر لوحيد حامد، والظلام كتبه مفيد فوزى، والإرهاب للروائى الرائد فتحى غانم.. لكنى توقفت أمام ما كتبه المعاصرون لنا أمد الله فى أعمارهم ولا تكفى كلمات الدنيا للإشادة بما فعلوه. وفى مقدمة الكتاب يكتب رئيس التحرير الكاتب الصحفى أيمن عبد المجيد: لماذا هذا الكتاب؟ ويتوقف أمام علاقة الجماعة بالعدو الإسرائيلى. ويتساءل فى مقدمته: ما علاقة جماعة الإخوان بالصهاينة؟ سؤال ليس وليد الانكشاف الذى حدث فى أغسطس 2025، بل طرحه العقَّاد فى مقالٍ كتبه فى صحيفة الأساس فى 5 يناير 1949 بعنوان: فتنة إسرائيلية، مؤكداً تطابق منهج تنظيم الإخوان مع الحركة الصهيونية، وما بين نشأة التنظيم والأصول المجهولة لمؤسسة البنا ومهنة والده «ساعاتى» وهى مهنة اليهود وقتها، ثم توالت الأحداث وتناولها كبار الكُتَّاب فى مختلف العقود بأقلامهم التى تحولت لأسلحة تنوير تحارب التطرف والإرهاب. إن هذا الكتاب يضم وثيقة من مقالات وشهادات 19 من عمالقة الفكر والصحافة منذ نشأة التنظيم وعلى مدار العقود وحتى اليوم. وهم الذين أسقطوا أقنعة الإخوان، بينهم 12 من العمالقة الراحلين و7 من الكُتَّاب المُعاصرين. إحسان عبد القدوس وما كتبه كان تحت عنوان: ماذا بعد الإرهاب؟ ويتساءل فى مقاله المنشور فى مجلة روزاليوسف فى مايو 1949، وسؤاله يقول: هل تكفى الأحكام العُرفية للقضاء على الإرهاب؟ إن الحُكم العُرفى قد يقضى على الإرهابيين ولكنه لا يقضى على الإرهاب. ويقظة رجال البوليس قد تنتهى بتطهير البلاد تطهيراً كاملاً من مخابئ الأسلحة وأوكار جماعة الإخوان. ولكنها لن تنتهى بتطهير البلاد من التفكير السياسى العنيف المتطرف فى العُمق. وأعضاء الجماعة وُلِدوا وشبّوا ورؤوسهم وقلوبهم تنتظر من يبذُر فيها البذرة الصالحة أو الطالحة لتنمو معهم، وتختلط بدمائهم لتُحدد اتجاه تفكيرهم واتجاه مستقبلهم. ويكتُب إحسان: إن الأحكام العُرفية لن تستمر مدى الحياة. وإن استمرت أليس من أصول التربية الوطنية أن نُنشئ جيلاً من الشباب على الخوف. الخوف من الحكومة بدلا احترامها، والخوف من الزعماء بدلاً من الإيمان بهم، مع أن أول مبادئ التربية الوطنية هو التحرر من الخوف. من كل قيدٍ يكبل الفكر الحر. والرأى الحر فى حدود الصالح العام. وإذا كانت الأحكام العُرفية سلاحاً قوياً لهدم المبادئ الخطرة، فيجب أن يكون هناك سلاح أقوى لبناء المبادئ الصالحة. محمد التابعى تحت عنوان: الضحايا والمساكين يكتُب الكاتب الصحفى الرائد والكبير محمد التابعي: وما أظن أن واحداً منهم خطر بباله وهو يطرق باب جماعة الإخوان، أن الجماعة ستجعل منه قاتلاً وغادراً، لئيما. وكل ذلك باسم دينٍ حنيفٍ يدعو إلى التسامح.. ويكتب أنه بين طوائف الطلبة والعمال إرهابيون ينفذون ما يؤمرون به، ويعتدون على حياة زعمائها وساستها وقُضاتها الذين يحكمون بغير ما يريد زعماء الجماعة إياها. لقد تأكد الشعب أن زعماء الجماعة قومٌ جُبناء منافقون كاذبون. فقد حاربوا مثلاً اتفاقية الجلاء فى منشوراتٍ عديدة لهم رغم أن الجلاء كان مطلب الشعب المصرى كله.. لقد أدرك الشعب حقيقتهم وما كان خافياً من أمرهم. وأدرك الشعب أن هذه العصابة قد تسلمت كميات من الأسلحة والذخائر لكى تستعملها فى معركة القناة. لكن هذه الأسلحة بيعت لحساب بعض الإرهابيين لكى يقتنوا بأثمانها الأطيان ويشيدون العقارات. أحمد حمروش ويكتُب سنة 1965 أن خطرهم لا يقل خطراً عن الإرهاب نفسه. ويبدو أن مؤامرتهم الأخيرة قد فجَّرت أشياء أخرى غير القنابل التى أعدوها للقتل والإرهاب. الخطر الذى شعر به الناس من هذه المؤامرة فجَّر عِدة تساؤلات: كيف أمكنهم أن يعيشوا عِدة أعوام فى خفية عن الناس؟ وكيف أمكن إقناع بعض الشباب بهذه العمليات الإرهابية؟ وكيف سمح لبعض الكُتُب التى تُبشِّر بالإرهاب وتفرض الجاهلية أن تُوزَّع وأن يُعاد طبعها؟ وأين كانت أجهزة ولجان الاتحاد الاشتراكى فى فترة الإعداد للمؤامرة؟ بل وأين هى بعد المؤامرة؟ وأخيراً: ألا توجد ظروف مواتية تسمح بتفريخ مؤامرات إرهابية جديدة؟ فرصة أخرى لهم كتب صلاح حافظ عندما يتكلم الرصاص لا يعود هناك معنى لأى حوار. ولا يمكن التفكير فى أى مستقبل، ويستحيل عملياً أن نُسوِّى أى حساب. لكن الماضى يعيش فى الحاضر. والمناخ الذى أتاح للقتلة أن يعبثوا بمصير مصر لا يجوز السماح باستمراره. وإذا كان معنى ذلك منح القتلة فرصة لذبح مصر فى ظروفٍ أنسب. قتل المتآمرون الرئيس السادات فى وضح النهار. وكانت جريمتهم جزءاً من انقلاب عام. وكان القتلة فرعاً من شبكة شاملة. ويتساءل: منذ متى كانت العنصرية أو الفاشستية مما يمكن الحوار معه. إن وجودهم أصلاً يناقض العقل، ومصدر وقودهم العواطف والانفعالات. وحجر الأساس فى بُنيانها رفض كل تراث فكرى ثابت مهما كان مصدره. هجومهم ضد الحُريَّات ويكتُب عبد الستار الطويلة إن الإرهاب جزءٌ من معتقدات تلك المنظمات التى تتكون من أبناء البرجوازية الصغيرة المُتعجلة للتغيير، وفرض ذلك التغيير بالقوة، وبعضها مُشبَّع بأحلام البطولة وأفكارٍ تحتقر الجماهير، ويعتبرون أنهم وحدهم القادرون على إحداث التغيير. ونحن نقول لزملائنا الكُتَّاب الذين يدافعون عن الإرهابيين تحت شعارات مختلفة أنهم يلعبون بالنار. فبعض هؤلاء الزملاء يحاولون صرف أنظارنا عن المجرمين الحقيقيين. فيزعمون أن الصهيونية هى التى تنظم تلك الأعمال الإرهابية. مع أنهم يرون غير هذا. بل إنهم بهذه الطريقة فى التفكير يفتحون الباب لرياح الإرهاب حتى تقلعنا من جذورنا. ويسقط الجميع فى هاوية التخلف والعدم. وحيد حامد إنهم يكذبون فوق المنابر، المشكلة أن رجال الدين فى ذلك الزمان البعيد أصبحوا رجال سياسة. وحولوا بيوت العبادة المخصصة للعبادة إلى ساحات للهرطقة السياسية غير المسئولة. ومن الذى قال أن رجال الدين رجال سياسة؟ إننا نُطالب بالحق الذى أعطاه لنا الإسلام وهو ألا نسمح بالكذب على الناس، وألا نروض للباطل على أنه حق، وأن نتقى الله فى الوطن والدين والأهل. وأن نتذكر قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم. فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً" (صدق الله العظيم). فتحى غانم ويكتُب فتحى غانم: رغم أن دعوة الإرهاب تلبس ثوب الدين، وتدَّعى أنها تعمل لوجه الله، ولماذا نذهب وراء التاريخ البعيد وأمامنا تاريخٌ قريب؟ فى جمعيات الإرهاب التى ظهرت فى إيران "فدائيان إسلام" أيام مُصدّق وتأمين البترول الإيرانى. لقد انتفضت هذه الجمعيات الإرهابية تحت شعار الدين لتضرب ثورة شعب. فلما عاد الشاه إلى عرشه وعاد البترول المؤمم إلى الإنجليز واستقر الأمر للحلف المركزى والمخابرات الأمريكية هدأت جمعيات الإرهاب باسم الدين. لقد أدت واجبها فى إيران وعليها أن تؤدى واجبها فى مكانٍ آخر. كل هذا يتم ونحن نبنى ونُقسم السدود ونُشيّد المصانع لأن كل يومٍ يمر معناه أن هناك عقولاً تتفتح ووعياً يزداد، وقدرات تنطلق، وحرية تتأكد. كما أنه فى كل يومٍ يمر تتكشف لنا دسائس الاستعمار ومؤامراته، وتتضح لنا صورته البشعة وهو يحارب دفاعاً عن سيطرته علينا ويصنع الاستعمار صوت التاريخ، ويُعلن أنه باقٍ على الاستعمار ساعة. السطو المسلح على الإسلام ويكتب محمد سعيد العشماوي: عندما ظهرت جماعة الإخوان كان أهم هدفٍ لها أن تخلط السياسة بالدين. فادعى مُرشدها الأول كما ادعى تابعوه أن الإسلام من السياسة والسياسة من الإسلام. وقد تداعى هذا الهدف الأساسى إلى تقديم صيغة أيدلوجية للإسلام تستخدم العقيدة لأهدافٍ حزبية، وتستعمل الشريعة لأغراضٍ سياسية. هذا فضلاً عن رفض الآخر، بل إنهم أحلوا قتل المُعارض لهم، وتقويض صلة المواطنة التى تجعل الدين لله والوطن للجميع. ويتساءل: متى كانت جماعة الإخوان كتيبة للإسلام المعتدل المستنير؟ وتاريخها فى العنف والتطرف والقتل والاغتيال والإرهاب والإسفاف معروفٌ ومكشوفٌ للجميع. هل صارت كتيبة معتدلة وانشقت عنها جماعات أخرى عدوانية؟ لا وألف لا. إن الاستنارة يا إخوان هى أن يكون ما لله لله وما للناس للناس. فيقع فصلٌ واضح صريح بين العقيدة الإلهية وبين السياسة البشرية والاستنارة. ومن ثم تجعل الولاء لله سبحانه وتعالى لا للتنظيم. وترفض مبدأ السمع والطاعة لتحل محله مبدأ الشورى والحرية. إن الاستنارة يا أيها الإخوان هى القبول بالآخر. والركون إلى مبدأ المواطنة الذى يساوى بين الحقوق والالتزامات. بصرف النظر عن العقيدة أو الجنس أو الدين أو اللون. الاستنارة هى المعرفة الكونية بالله والإنسان. وليست التعاليم السرية بالإرهاب المادى والمعنوى ونشر الرعب والفزع فى كل مكان. إن الاحتكام للعقل مسألة شديدة الأهمية بالنسبة للإنسان. فالإنسان ميزه الله سبحانه وتعالى عن باقى الكائنات الأخرى بالعقل. ولذلك علينا أن نهتم جميعاً بمحو الأمية، خاصة فى الريف المصرى والأحياء الشعبية، والقضاء عليها تماماً حتى نصل إلى يومٍ نحتفل فيه بمحو أمية آخر مصرى، ونعتبره ميلادا جديدا لزمن آخر نصبوا إليه ونسعى إليه ونحاول الوصول إليه. وما هذا بصعبٍ ولا مستحيل. فحكومتنا الراهنة برئاسة د. مصطفى مدبولى تفعل هذا كل صباحٍ ومساء. ورئيسنا الرئيس عبد الفتاح السيسى يبنى مصر الجديدة المُتحضرة والمختلفة تماماً والمغايرة لكل ما مر بنا من قبل. بقى فى هذا الكتاب المهم ما كتبه كرم جبر، ومحمد يوسف العزيزى، وحمدى رزق، وحلمى النمنم، وثروت الخرباوى، وعبد القادر شهيب. ولنا عودة لهم لأهمية ما كتبوه. هذا الكتاب لا يكتفى بالتوثيق، بل يشارك فى صناعة الوعى العام، ويعيد الاعتبار للمثقف كفاعل فى المجتمع، لا مجرد مراقب. كما أنه يضع جماعة الإخوان فى مواجهة مباشرة مع التاريخ، من خلال عرض نقدى لممارساتها وأفكارها.