يشكل تاريخ العلاقة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين أكثر الملفات وضوحًا لما يتضمنه من «محطات صدام» متكررة، تكشف عن أنماط متشابهة من المؤامرات الإخوانية، وتعطى دروسًا تاريخية حول طبيعة أهدافهم. بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970، كان المسرح مهيأً لعودة الإخوان إلى المجال العام، وبعد عام واحد بدأت بوادر ظهورهم مجددًا من جامعة أسيوط، ورفعوا شعار «تطهير الجامعة من الناصريين والشيوعيين»، واستُخدم كغطاء لعودة نفوذ الجماعة وسط الطلاب، واللافت أن كبار مسئولى الاتحاد الاشتراكى، كانوا من بين المساهمين فى ذلك، إما بحسن نية أو رغبة فى التخلص من «التيار الناصرى» الذى كان يمثل تحديًا للرئيس السادات. وتشكلت النواة الأولى لما سُمى «الجماعة الإسلامية» التى ورثت الدور العسكرى والتنظيمى للجناح العسكرى للجماعة صاحب الاغتيالات الشهيرة قبل الثورة، وكان لمحمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط الأسبق، والدكتور محمود جامع، صديق السادات، رحمهما الله، دور فى الأحداث0 أجريت معهما حوارات مطولة، وتكتسب شهادات الدكتور جامع أهمية، ويروى أن السادات الذى كان نائبًا للرئيس، زاره فى طنطا قبل وفاة عبد الناصر بأشهر، وطلب منه إعادة إحياء جماعة الإخوان فى «وجه بحرى» لخلق توازن مع الناصريين، وأبلغ محافظ الغربية فى ذلك الوقت «وجيه أباظة» عبد الناصر بتلك التحركات، وحالت ظروف مرضه دون اتخاذ موقف حاسم. وفى الوجه القبلى كانت السيطرة أسرع، حيث تمددت الجماعة داخل جامعة أسيوط بدعم من عناصر محسوبة على الدولة، وانتقل نفوذها من «الأمر بالمعروف» إلى استخدام العنف المباشر، شوم وعصى وخناجر وجنازير فى تأديب المخالفين، وغضّ طرف رسمى ما دام الخصوم المستهدفون من الناصريين واليساريين. تلك اللعبة لم تدم طويلًا وخرجت المواجهة من الحرم الجامعى إلى الشارع، وبدأت مظاهرات حاشدة تتحدى السادات نفسه، خصوصًا بعد قراره استضافة شاه إيران محمد رضا بهلوى، وتزامن مع ذلك تنامى العنف الطائفى وعمليات الجماعة الإسلامية، وعلى رأسها أحداث الزاوية الحمراء، التى كانت من أسوأ ما شهدته مصر فى تلك الفترة. وأدرك السادات خطأ حساباته، وقال فى خطاب علنى»أنا كنت غلطان» وهاجم الإخوان بعنف، متهمًا إياهم بالتآمر على الدولة، وانتهت المواجهة باغتياله فى المنصة عام 1981. وعقب الاغتيال تولى الرئيس حسنى مبارك الحكم، وكان أول ما فعله استدعاء محمد عثمان إسماعيل أثناء أدائه الحج وكلفه بتفكيك أوكار الجماعات المسلحة التى تمددت فى عهده، ودخلت مصر مرحلة طويلة من الصدام الأمنى مع تلك التنظيمات. عبد الناصر كان حاسمًا فصار عدوهم التاريخى، والسادات حاول تطويعهم فاغتالوه، وكاد المشهد أن يتجدد بعد أحداث يناير1981، وتحالفت شخصيات محسوبة على التيار الناصرى مع الإخوان، وكأنها لم تستوعب الدروس. الخلاصة: انتبه للذئاب حتى لو ارتدوا ثياب الواعظين، فقد صدق البعض عبارة: «ناس طيبين. ما نجربهم».. وجربناهم وكادت مصر أن تضيع.