تشهد صناعة السينما فى السنوات الأخيرة مفارقة لافتة، فبينما تحقق المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أكبر إيرادات من عروض الأفلام السينمائية فى المنطقة، تتراجع مصر صاحبة التاريخ الأطول وصاحبة الإنتاج الأكبر إلى مراكز متأخرة على مستوى الدخل، رغم كون الأفلام المصرية هى الأكثر حضورًا على شاشات السينما فى البلدين الخليجيين، والأكثر إسهامًا فى جذب الجمهور. منذ إعادة افتتاح السينما فى السعودية وتوسع المجمعات السينمائية فى الإمارات، تضاعفت الإيرادات السنوية إلى مستويات غير مسبوقة. اللافت أن جزءًا كبيرًا من هذا الازدهار يعود إلى الإقبال على المحتوى المصرى، الذى ما زال يحتفظ بجاذبيته وقدرته على الوصول إلى جمهور واسع. فالجمهور فى السعودية والإمارات يجد فى الأفلام المصرية روحًا قريبة ودراما مألوفة وكوميديا محببة، ما يجعلها من أكثر الأعمال مشاهدة، وبالتالى أحد أهم مصادر الدخل فى السوقين. ورغم كون مصر المركز التاريخى لصناعة السينما العربية، فإن إيرادات شباك التذاكر فيها تأتى فى ترتيب متأخر مقارنة بجيرانها الخليجيين. ويعود ذلك إلى عاملين أساسيين: قلة عدد دور العرض المنتشرة فى المحافظات، وانحصارها إلى حد كبير فى المدن الكبرى. ورخص سعر تذكرة السينما مقارنة بالأسعار فى السعودية والإمارات، ما يؤدى إلى انخفاض إجمالى الإيرادات حتى مع وجود جمهور كبير. هذه العوامل تجعل من الصعب على السوق المصرى مواكبة النمو السريع فى دول الخليج، رغم امتلاكه قاعدة جماهيرية هى الأكبر عربيًا. أمام هذا التراجع، فإن وزير الثقافة مطالب بضرورة التحرك لوضع خطة شاملة لإنعاش قطاع دور العرض فى مصر، خصوصًا فى المحافظات التى تعانى غيابًا شبه كامل للبنية السينمائية الحديثة. فالسينما ليست مجرد ترف ثقافى، بل صناعة اقتصادية تخلق فرص عمل وتعيد إحياء الحركة الفنية وتوفر منصة لصياغة الهوية البصرية للمجتمع. إن المفارقة التى تجعل الأفلام المصرية رافعة لإيرادات السينما فى السعودية والإمارات بينما تتراجع داخل بلدها، تكشف عن خلل يحتاج إلى معالجة عاجلة. فبناء دور عرض جديدة، وتطوير البنية التحتية الثقافية، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار فى مجال السينما، كلها خطوات ضرورية لاستعادة دور مصر الريادى وضمان استمرار صناعة طالما كانت مصدر قوة ناعمة لها فى المنطقة.