يحيى غداً عشاق قيثارة الغناء ليلى مراد الذكرى 30 لغيابها عنا، فقد غادرتنا فى 21 نوفمبر 1995 عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد أن منحتنا مئات الأغانى التى ما زالت ساكنة فى داخلنا، وتركت وراءها 27 فيلماً من أجمل أفلام السينما الغنائية الاستعراضية، وستهتم غداً جميع محطات الإذاعة والفضائيات بتراثها الغنائى والسينمائى، وتقدم «كنوز» فى ذكرى رحيلها مقالاً نادراً نشرته عام 1954 فى مجلة «الكواكب» تقول فيه : - «أنا ليلى مراد، ابنة «الحظين»، الحظ الباسم، والحظ العاثر، الحظ الضاحك والحظ العابس، دارت بى عجلة الحياة فى غير الدورة التى كنت أمنى النفس بها، دارت بى متخذة وجهة غير التى كنت أريدها، قال الناس عنى «مطربة ذات صوت شجى أخاذ»، وقالوا عنى «محظوظة ذات طالع سعد نادر»، وأقول عن نفسى «أنا ليلى التى تعذبت فى حياتها الماضية، وتتعذب فى حياتها الحالية.. وسوف يطاردها العذاب فى حياتها الآتية» ولعل هناك من يسألنى عن السبب فأقول «كنت لا أريد لنفسى أن أكون مغنية، ولا ممثلة، وكنت أمنى نفسى بأن أكون مدرسة، أو زوجة كباقى الزوجات السعيدات، وفشلت فى أن أكون مدرسة لأن القدر حارب أبى فى رزقه بعد أن أفسح له صدراً طويلاً عريضاً، فقذف بى كورقة أخيرة فى يده على مائدة الحياة لكى يستمد القوت له ولإخوتى منى، وكان القوت عسير المنال إلا على المطربات وأهل الفن حيث المال الوفير، والعيش الرغيد، وباعدت حياتى الجديدة بينى وبين الزواج الموفق. الزواج فى كنف ظليل لا حسد فيه ولا وقيعة ولا ضغينة، فهل أستحق الشهرة التى نلتها فى حياتى كفنانة، الجواب حاضر منتزع من النفس المشوبة بالأنانية وهو يقول «نعم.. نعم، لأننى أذبت روح قلبى فى الفن لكى أصعد، وسهرت الليالى مؤرقة لكى أنام بعدها قريرة العين وبكيت الشهور خوفاً من الفشل، ولم أستعد ذوب قلبى ولم أنم قريرة العين وما زلت أبكي، لا خوفاً من الفشل، بل أسفاً على ما فات». هذا ما كتبته قيثارة الغناء عن نفسها لكن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان ينظر لها نظرة فنية أخرى عبر عنها فى مقال نشرته «الكواكب» فى فبراير 1949 ويقول فيه : - «كثيرًا ما يختلط الأمر على المستمع فى التفرقة بين أصوات غالبية المطربات لقرب التشابه بينها جميعًا، ولكن من السهل عليه معرفة وتمييز صوت المطربة ليلى مراد بمجرد الاستماع إليها لأول وهلة، فهو صوت ذو لون خاص، وذو طابع لا نظير له، مما يجعل لها شخصية فنية مستقلة كل الاستقلال، ومن الغريب أن ليلى عندما تحفظ لحنًا جديدًا لا تتقيد كثيرًا بما يلقنها الملحن من أنغام، وإنما تتصرف فى حدود صوتها وحس اللون الذى ترتاح له دون أن تخرج عن هيكل اللحن، وربما يعتبر البعض هذا التصرف منها عيبًا، ولكننى أعده ميزة كبيرة فيها لأنها تفتح أمام الملحن آفاقًا جديدة فى اللحن يحس فى دخيلة نفسه، ليلى ذكية وسريعة الفهم وتدرك تمامًا ما يقصده الملحن، فتحس باللحن وتعيش فيه، وتضفى عليه من لونها ما يزيده وضوحًا وجمالًا، وهذه هى تلميذتى المطربة ليلى مراد، أما السيدة ليلى مراد، فأعتقد أنها لا تقل عنها قوة فى الشخصية واعتدادًا بالنفس، وأبرز ما فى ليلى أنها دائمة التغير والتحول، ولا ترضى أبدًا بأى وضع هى فيه، لذلك أجبرت زوجها أنور وجدى على أن يرسم لها شخصية جديدة مُبتكرة لتظهر بها فى فيلم «غزل البنات»، كما أجبرتنى أنا لأن ألحن لها ألحانًا جديدة وأضع لها موسيقى خاصة من لون جديد، ويعجبنى فيها أنها «ست بيت» من الطراز الأول، تجيد تدبير كافة شئون البيت فى همة ونشاط ودقة تثير الدهشة، وتعتنى بصينية البطاطس كما تعتنى بنغمة السيكا، وتتناقش فى زمن حزمة البقدونس كما تتناقش فى ثمن البالطو «الاستراكان». محمد عبد الوهاب «الكواكب» - فبراير 1949