واجهت مصر في ستينيات القرن الماضي، تحديًا وجوديًا تمثل في تأمين مواردها المائية والحماية من فيضانات النيل المدمرة، وفي ظل رفض بعض الدول الغربية تمويل مشروع السد العالي، توجهت القاهرة نحو الاتحاد السوفيتي آنذاك «روسيا حاليًا»، الذي قدم دعمًا ماليًا وفنيًا مكن مصر من تشييد هذا الصرح الهندسي العملاق. منح الجانب السوفيتي مصر قرضًا كبيرًا وخبرات هندسية متقدمة، أسهمت بدور محوري في إنجاز السد العالي، الذي لم يقتصر أثره على التحكم في الفيضان وتوفير الري الدائم وتوليد الكهرباء، بل غير خريطة الزراعة والصناعة، وأصبح رمزًا للصداقة المصرية – السوفيتية، وقد افتتح الرئيس الراحل أنور السادات السد رسميًا عام 1971 ليظل ركيزة للأمن المائي والطاقة حتى اليوم. ◄ تعاون استراتيجي بين القاهرة وموسكو وتتجدد اليوم مسيرة التعاون الاستراتيجي بين القاهرة وموسكو، ولكن في مجال آخر لا يقل أهمية وهو الطاقة النووية السلمية، ففي مشروع محطة الضبعة النووية، تمضي مصر نحو المستقبل عبر بناء أربع وحدات من مفاعلات الماء المضغوط الروسية المتطورة من طراز VVER-1200 (AES-2006) بقدرة 1200 ميجاوات لكل وحدة، بهدف تنويع مصادر الطاقة وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. وقد وُقعت الاتفاقية مع شركة «روس آتوم» عام 2015، ودخلت العقود حيز التنفيذ في 2017، مع تقديم روسيا قرضًا يصل إلى 25 مليار دولار، إضافة إلى نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المصرية. ويمضي المشروع بخطوات ثابتة، تجسدت مؤخرًا في حدث محوري تمثل في مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في عملية تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى وهو بمثابة «قلب» المفاع، ما يعلن الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدمًا في التنفيذ، وتمثل محطة الضبعة نقلة نوعية في مسار التنمية المستدامة، عبر إنتاج طاقة نظيفة، وتعزيز الأمن الطاقي، وإنشاء قطاع نووي متكامل يعتمد على كوادر مصرية مدرَّبة في أرقى المؤسسات العلمية الروسية. ◄ توفير طاقة كهربائية مستدامة إن الربط بين السد العالي ومحطة الضبعة النووية ليس مجرد استدعاء لذكريات الماضي، بل هو تأكيد على عمق واستمرارية الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا، فكلا المشروعين يُجسدان رؤية طويلة الأمد لبناء بنية تحتية عملاقة لخدمة التنمية، سواء في ضبط مياه النيل أو توفير طاقة كهربائية مستدامة تلبي متطلبات النمو الاقتصادي، وهكذا تُرسخ هذه المشاريع مكانة مصر كشريك استراتيجي محوري لروسيا في المنطقة، وتبرهن على الثقة والتعاون المتواصل بين البلدين عبر الأجيال. اقرأ أيضا| كيف يقود مشروع «الضبعة النووي» مصر إلى التحول التنموي الأكبر في تاريخها؟ وتحتفل مصر اليوم الأربعاء، بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي تنظمه مصر يوم 19 نوفمبر من كل عام، إحياء لذكرى توقيع الاتفاقية الحكومية بين مصر وروسيا، لبناء وتشغيل محطة الضبعة النووية، ويعتبر يومًا رمزيًا لانطلاق البرنامج النووي السلمي المصري. وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في فعالية تاريخية بمناسبة تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى، إلى جانب توقيع أمر شراء الوقود النووي، في خطوة محورية تضاف إلى مسيرة استكمال مشروع محطة الضبعة النووية. اقرأ أيضا| نص كلمة الرئيس السيسي خلال مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية تشهد مراحل إنشاء المحطة تقدمًا ملحوظًا، وتمثل آخرها في مشاركة الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين في فعاليات محورية، مثل تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى، وهو ما يمثل «قلب» الوحدة النووية، ويؤكد على الانتقال إلى مرحلة أساسية في مسار المشروع. ◄ الأهداف الاستراتيجية وتمثل الضبعة قفزة نوعية في مسار التنمية المستدامة، وتساهم في إنتاج طاقة نظيفة ومستدامة، وتعزيز الأمن الطاقي، وتأسيس قطاع نووي متكامل في مصر، بما في ذلك توطين الصناعة وتدريب الآلاف من المهندسين والفنيين المصريين في أرقى الجامعات الروسية. ربط مشروع السد العالي بمشروع محطة الضبعة النووية ليس مجرد استحضار للماضي، بل هو تأكيد على أن التعاون المصري الروسي يمثل عمقًا استراتيجيًا متجذراً عابرًا للأجيال، ويهدف المشروعان إلى بناء بنية تحتية قوية وعملاقة لخدمة أهداف التنمية الممتدة وطويلة الأجل في مصر، سواء كان ذلك لضبط مياه النيل وتحويل الري إلى دائم، أو لتوفير طاقة كهربائية مستدامة لمواكبة التنامي الاقتصادي. تلك المشروعات الضخمة، التي يشار إليها في البيانات الرسمية لكلا البلدين، ترسخ مكانة مصر كشريك استراتيجي مهم لروسيا في المنطقة، وتبرهن على استمرارية الثقة والتعاون بين الدولتين.