مع كل عمل جديد لها، تثبت فرح الزاهد امتلاكها حضورًا مختلفًا، وصدقًا فنيًا، ينعكس في أدائها أمام الكاميرا. وبسرعة شديدة استطاعت الزاهد أن تحجز لنفسها مكانة خاصة بين نجمات جيلها بفضل قدرتها على تقديم الشخصيات المركّبة بعمق وإحساسٍ عالٍ يجعل المشاهد يتعاطف معها مهما كانت تفاصيل الدور .. في هذا الحوار، تتحدث فرح الزاهد عن كواليس تجربتها الأخيرة في مسلسل "لينك"، وكيف تعاملت مع مشاعر الانكسار والقوة في وقت واحد. في البداية.. كيف تصفين إحساسك بشخصية "سعاد" التي قدّمتِها في مسلسل "لينك"؟ هذه الشخصية تحديدًا تحمل انفعالات كثيرة وسرعة في ردود الفعل، فهي أكثر توترًا من غيرها. منذ البداية قلت إن رسالتي من خلال هذا الدور هي تسليط الضوء على أن معاناة المرأة النفسية أحيانًا تكون أعمق مما يبدو، وأنه من المهم أن يظهر ذلك بطريقة واضحة وملموسة. وما أبرز الصعوبات التي واجهتك أثناء التحضير لهذه الشخصية؟ كان لدي تحد داخلي، وهو أن أعبّر عن مشاعر "سعاد" العميقة في مشاهد محدودة، وهذا أمر ليس سهلًا على الإطلاق، لذلك حاولت التركيز على أن معاناة المرأة لا تكون جسدية فقط، بل قد تكون نفسية أيضًا، وأن العلاقة بين الجانبين النفسي والجسدي شديدة التعقيد. هل ترين أن المعاناة النفسية للمرأة قد تكون غير واضحة في كثير من الأحيان؟ معظم النساء بالتأكيد يعانين من أمور لا تبدو ظاهرة للآخرين، وهنا المشكلة لا تكون دائمًا في العلاقة أو في الشريك. قد يبدو كل شيء جيدًا من الخارج، لكن من الداخل قد تكون المرأة ليست على ما يرام. وما الرسالة التي حرصتِ على إيصالها من خلال هذا الدور؟ أن المرأة لا يجب أن تكون ضحية لعنفٍ واضح حتى نقول إنها تتألم، فالكثير من النساء يعانين في صمت، ومعاناتهن النفسية قد تكون أشد قسوة من أي أذًى ظاهر. نلاحظ دائمًا أن شخصياتك تحمل أبعادًا إنسانية مختلفة، كيف تعاملتِ مع شخصية "سعاد"؟ شخصية "سعاد" حاولت أن أقدّمها بشكل حقيقي، فهي امرأة تتحمل مسؤوليات كثيرة، وتقضي وقتًا طويلًا مع أولادها لتشعر بهم وتفهمهم، والحمد لله كانت ردود أفعال الجمهور إيجابية جدًا، لذلك أيقنت أن الشخصية صادقة وطبيعية. هل استعنتِ بأحدٍ أو بشخصية واقعية أثناء التحضير للدور؟ لم أحتج إلى ذلك كثيرًا، لأن والدتي كانت دائمًا مصدر إلهام لي. بعد أن عشت تفاصيل الدور، شعرت بمدى ما تعانيه الأمهات بصمت، ودائمًا يقدّمن تضحيات كثيرة، وشخصية "سعاد" جعلتني أعرف قدر وقيمة والدتي أكثر. الدور جمع بين كونك أمًا وزوجةً وامرأةً عاملة، كيف استطعتِ الموازنة بين كل تلك الجوانب في الأداء؟ كان ذلك تحديًا صعبًا، حاولت أن أستحضر كل ما تعلمته من الحياة الواقعية، من علاقاتي بأصدقائي وأخواتي، وحتى من المواقف اليومية، لأقدّم صورة حقيقية لامرأة تجمع بين الأدوار كلها في وقت واحد. "سعاد" كانت أمًّا قوية رغم فقدانها أمها، فتحمّلت مسؤولية إخوتها وأسرتها، وأصبحت الأم التي لم تجدها. هل شخصية "سعاد" مستوحاة من قصة واقعية؟ بالفعل، هناك امرأة حقيقية كانت تعمل في ظروف مشابهة. عرفت قصتها وتأثرت بها جدًا، فقد كانت تعاني من ضغوط كثيرة بسبب مسؤولياتها، حتى إنها كانت تعمل بجهد كبير لتُبقي أبناءها في المدرسة بعد أن رفض زوجها ذلك. هناك مشاهد صعبة لاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، كيف تعاملتِ معها أثناء التصوير؟ استغرقت بعض المشاهد وقتًا وجهدًا كبيرًا في التحضير النفسي لها، لكن الحمد لله، كل التعب اختفى عندما رأيت تفاعل الناس وتأثرهم بما قدّمت. وكيف ترين نفسك بعد نجاح هذا الدور مقارنة بأعمالك السابقة؟ أعتقد أن هذا المسلسل كان نقلة مختلفة في مسيرتي، لكنه أيضًا جعلني أكثر وعيًا بنفسي وبأخطائي. أنا دائمًا أرى عيوبي قبل إنجازاتي وأسعى لأن أكون أفضل في كل عمل جديد. بعد النجاح الكبير الذي حققته الشخصية، كيف تقيمين أداءك في هذا الدور؟ لا أظن أنني وصلت إلى الكمال، لكنني راضية عمّا قدّمت. لقد عملت على تطوير نفسي كثيرًا، وأشعر أنني نضجت فنيًا، لكن ما زلت أؤمن بأن أمامي مساحة أكبر للتقديم الأفضل. التقييم الحقيقي يتحدد من خلال آراء الناس، لأنني لا أستطيع أن أقيّم نفسي بموضوعية. أحيانًا أكون قاسية على نفسي، لذلك أفضل أن أرى نفسي بعيون الجمهور. كيف وجدتِ تفاعل الجمهور مع العمل؟ الحمد لله، كان إيجابيًا جدًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أسعدني أن الناس شعروا بما أردت أن يصل إليهم، وتفاعلوا مع الشخصية بصدق. ولكن شخصية "سعاد" كانت مثيرة للجدل، فالكثيرون رأوا أنها ارتكبت أخطاء كبيرة رغم تعاطفهم معها.. كيف ترين ذلك؟ "سعاد" ليست مثالًا يُحتذى به، فهي ضحية بالفعل، لكنها أيضًا السبب فيما وصلت إليه. أخطأت حين أعطت كل حياتها للآخرين ونسيت نفسها تمامًا. الرسالة التي أريد أن تصل للنساء من خلال "سعاد" هي: "لا تنسي نفسك من أجل أي شخص، لا من أجل زوج ولا من أجل أبناء. عندما تنسين ذاتك وتضحين بأحلامك بالكامل، تفقدين توازنك ويصبح من السهل أن تُظلَمي". شخصية "سعاد" تمر بلحظات مؤلمة وصادمة، خصوصًا بعد زواج زوجها بأخرى دون علمها، كيف تعاملتِ مع هذه المشاعر أثناء التصوير؟ كان ذلك من أصعب المشاهد، لأن الموقف في حد ذاته قاسٍ جدًا. فكرة أن يختار زوجها الزواج بأخرى من غير أن يصارحها أو يمهّد لذلك هي خيانة قاسية وموجعة، خاصة لامرأة قدّمت كل شيء من أجل بيتها وأولادها. ورغم أنها أصبحت ضحية، فإنها في النهاية مطالَبة بأن تراجع نفسها وتعيد النظر في حياتها وقراراتها. وهل ترين أن ما حدث كان نتيجة طبيعية لتضحياتها؟ العلاقات لا تُبنى على العطاء من طرف واحد، لا بد من التوازن بين الطرفين، لأن المرأة عندما تبذل كل شيء وتتخلى عن نفسها، ولا تستقبل من الطرف الآخر ما تحتاج إليه، تصبح أكثر عرضة للخذلان والظلم. المشهد الذي جمعك مع والدك "سيد رجب" في لحظة اكتشاف الخيانة كان مؤثرًا جدًا.. ماذا عن كواليس تصويره؟ المشهد كان صادقًا جدًا، لم يكن مجرد تمثيل بل لحظة شعور حقيقي، بكيت فيها بصدق لأنني عشت إحساس الشخصية بالكامل. أعدنا المشهد أكثر من مرة من زوايا مختلفة، لكن الإحساس ظل كما هو في كل مرة، وكأن الألم لم يختفِ. وهل تلقيتِ دعمًا من فريق العمل أثناء هذه المشاهد الصعبة؟ كل من حولي كان داعمًا لي، على رأسهم المخرج محمد حماقي والمخرج المساعد والفنان سيد رجب، وجميعهم ساعدوني على التركيز والدخول في الحالة النفسية المطلوبة. كانوا يهيئون الجو بالكامل كي أعيش اللحظة بصدق دون تشتت. بعد انتهاء التصوير، هل وجدتِ صعوبة في الخروج من الحالة التي كنتِ فيها؟ لا، لأنني أستطيع الفصل بين حياتي الشخصية والعمل بسرعة. بعد انتهاء المشهد أغلق الصفحة فورًا، لأنني أعلم أن الاستمرار في الإحساس قد يؤذيني نفسيًا، أنا أعيش الدور تمامًا في لحظة التصوير فقط. وأخيرًا.. ما الرسالة التي تودين توجيهها لجمهورك؟ أود أن أشكر كل من تابعني وآمن بما قدّمت، وسعيدة جدًا بحب الناس، فهذا ما يمنحني القوة للاستمرار، وأتمنى أن أظل دائمًا عند حسن ظنهم، وأن أقدّم أعمالًا تمس قلوبهم بصدق. اقرأ أيضا: الحلقة 22 من «لينك».. اختطاف أطفال سعاد يشعل الأحداث