◄ خبير: الذكاء الاصطناعي سيستولي على الوظائف.. ومن يلتزم بتعلم أدواته وتطبيقها لن يشعر بأي تهديد ◄ الفرق بين الاستمرار والإقصاء لن يصنعه الذكاء الاصطناعي بل قدرة الفرد على استيعابه واستغلال إمكاناته ◄ الذكاء الاصطناعي يهدف لإلغاء المهام الصغيرة المملة وتسهيل عملية اتخاذ القرار ◄ الوظائف المرتبطة بالعمل اليدوي والمهارات الدقيقة الأقل تأثرًا.. والعام القادم حاسم يشهد العالم واحدة من أسرع الثورات التكنولوجية في التاريخ، يقودها الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح شريكًا في اتخاذ القرار، وعنصرًا حاسمًا في مستقبل الوظائف. ولأول مرة، تقف قطاعات مهنية كانت تُعد ثابتة لعقود على حافة تغييرات جذرية قد تقود إلى اختفاء بعضها أو إعادة تشكيلها بالكامل، وفي ظل هذا التحول المتسارع، بادرت شركة مايكروسوفت بنشر قائمة مفصلة تضم أربعين وظيفة تُعد الأكثر قابلية للاستبدال بالذكاء الاصطناعي، مقابل أربعين أخرى هي الأقل تأثرًا، في محاولة لتحديد اتجاهات سوق العمل خلال السنوات القادمة، وكشف طبيعة الوظائف التي ستتطلب مهارات جديدة، وتلك التي ستصبح خارج المشهد تدريجيًا. ولا شك أن نشر مثل هذه القائمة يثير مخاوف وتساؤلات واسعة حول مستقبل الفرد المهني، خصوصًا في مجتمعات لم تكتمل جاهزيتها بعد لاستيعاب التطور الرقمي، ولتصحيح الصورة، قدم خبير الذكاء الاصطناعي «خضر غليون» قراءة متوازنة للمشهد. ◄ عام الحسم والقدرة على التطبيق ووصف «غليون»، الوضع بأنه «مقلق للغاية»، ليس لأن الذكاء الاصطناعي سيستولي على الوظائف، بل لأن الكثيرين ما يزالون غير مستعدين للتعامل معه، مشيرًا إلى أن العام القادم سيكون حاسمًا، وأن من يلتزم بتعلم أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في عمله لن يشعر بأي تهديد، بل سيصبح أكثر قيمة في سوق العمل، موضحًا أن الفرق بين الاستمرار والإقصاء لن يصنعه الذكاء الاصطناعي نفسه، بل قدرة الفرد على استيعابه واستغلال إمكاناته. ويؤكد «غليون» أن القضية ليست مجرد خطر فقدان الوظائف، بل صراع من نوع جديد: من يملك مهارات البقاء في بيئة مهنية تتغير بسرعة غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن التحول الرقمي، لا ينتظر أحدًا، ومن لا يطور نفسه سيجد نفسه خارج الساحة، ليس بسبب قلة كفاءته، ولكن لأن أدوات العمل نفسها تغيرت، وأصبحت تفرض على كل عامل أن يجيد لغة جديدة هي لغة الذكاء الاصطناعي. ◄ قائمة مايكروسوفت وكشف خبير الذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي لم يبن بهدف إلغاء الوظائف، بل بهدف إلغاء المهام الصغيرة المملة وتسهيل عملية اتخاذ القرار، إذ خلق طلبًا كبيرًا على المهارات الأكثر تقدمًا، مثل الإشراف، التحليل، إدارة البيانات، وتوجيه الأنظمة الذكية. وتابع: «الذكاء الاصطناعي لا يسحب الكرسي من تحت الموظفين، بل يغير شكل الكرسي نفسه»، في إشارة إلى أن الوظائف لن تختفي بالكامل، لكنها لن تبقى بالشكل الذي نعرفه. وتكشف قائمة مايكروسوفت الأولى التي تضم أربعين وظيفة الأكثر عرضة للاستبدال، عن نمط واضح: معظم هذه الوظائف تعتمد على المعالجة اللغوية، التحليل، الكتابة، والإدارة الروتينية، فالذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على كتابة النصوص، تلخيص المحتوى، الرد على العملاء، تحليل البيانات الضخمة، إنشاء مواقع إلكترونية بسيطة، ترتيب الجداول، وحتى توقع السلوك البشري. ولذلك جاءت مهن مثل «المترجمين، المؤرخين، الكتاب، موظفي خدمة العملاء، مشغلي الهاتف، ووكلاء السياحة» ضمن الفئات الأكثر تأثرًا، إضافة إلى وظائف تحليلية مثل الإحصائيين، علماء البيانات، والمستشارين الماليين، كما ظهرت في القائمة وظائف إعلامية مثل «مذيعي الراديو والتلفاز، الصحفيين، والمعلقين»، وهي وظائف كانت تُعد لوقت قريب بعيدة عن أي إمكانية للاستبدال. ◄ توليد الأفكار والبحث السريع الفكرة الأساسية هنا ليست أن هذه الوظائف ستختفي، بل أن كثيرًا من مهامها الأساسية يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤديها بشكل أسرع وأقل تكلفة، المترجم لن يختفي، لكن المترجم الذي يعمل بالطريقة التقليدية سيواجه صعوبة، بينما المترجم الذي يستخدم أدوات الترجمة الذكية سيضاعف إنتاجيته. أيضا، الصحفي لن يصبح بلا دور، لكن الصحفي الذي لا يعرف كيفية الاستفادة من أدوات توليد الأفكار والبحث السريع وتلخيص المعلومات سيصبح أقل قدرة على المنافسة، الأمر ذاته ينطبق على كتّاب المحتوى، المحللين، ومعلمي إدارة الأعمال والاقتصاد، الذين باتوا مطالبين بإعادة تعريف دورهم وتنمية مهارات الإشراف على الأنظمة الرقمية بدلًا من تقديم المعرفة بشكلها المعتاد. ◄ وظائف أقل تأثرًا بالذكاء الاصطناعي أما قائمة الوظائف الأقل تأثرًا، فهي تكشف عن اتجاه مختلف تمامًا، حيث تظهر غالبية الوظائف المرتبطة بالعمل اليدوي، المهارات الدقيقة، وجودة التنفيذ الميداني، إذ إن الذكاء الاصطناعي، رغم قدراته الكبيرة، لا يستطيع العمل في البيئات المعقدة غير المنظمة، ولا يمكنه أداء المهام التي تتطلب حركة بشرية، أو تفاعلًا مباشرًا، أو استجابة فورية لمواقف غير متوقعة، ولذلك احتلت وظائف مثل مختصي سحب الدم، مساعدي التمريض، عمال صيانة الطرق، النجارين، سائقي الشاحنات الثقيلة، عمال منصات النفط، مشرّحي الفم والفك، ومشغلي معدات الحفر والجسور قمة القائمة الأقل تعرضًا للاستبدال. يمتاز هذا النوع من الوظائف بأنه يعتمد على الحس البشري، والخبرة العملية، والمرونة البدنية، وهي عناصر لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاتها بسهولة، لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل القريب. ولذلك فإن أصحاب هذه المهن لن يُستبدلوا، لكنهم سيستفيدون من الذكاء الاصطناعي كأداة تساعدهم على أداء مهامهم بكفاءة أعلى. على سبيل المثال، قد يستفيد عامل صيانة الطرق من أنظمة ذكية ترشده إلى الأخطاء المحتملة أو تحدد الأعطال بدقة، وقد يستعين الطبيب ببرامج تشخيص ذكية تكشف ما قد يفوته، لكن لا يمكن للآلة أن تدير عملية جراحية فموية كاملة أو أن تقوم بتركيب أسقف منزل كما يفعل البناؤون. ◄ الذكاء الاصطناعي والقدرة على المنافسة وما بين القائمتين، تبرز حقيقة جديدة: ليست كل الوظائف معرضة للخطر، ولكن كل الوظائف معرضة للتغيير، وهذه المعادلة تمثل جوهر التحول الذي نشهده، لذلك الوظائف الإبداعية لن تختفي، لكنها ستندمج مع الذكاء الاصطناعي، والوظائف التحليلية لن تزول، لكنها ستحتاج إلى الإنسان الذي يشرف على مخرجات الذكاء الاصطناعي، يفحصها، ويصحح مسارها، والوظائف الميدانية لن تتراجع، لكنها ستحتاج إلى أدوات رقمية تدعم جودة العمل وسرعته. وهذا ما يجعل توقعات الخبراء حول المستقبل أكثر وضوحًا: من لن يتكيف سيصبح خارج المنافسة، وليس لأن الذكاء الاصطناعي يريد ذلك، بل لأن السوق نفسه أصبح يعتمد على أدوات جديدة، والسؤال الحقيقي لم يعد: هل سيفقد الناس وظائفهم؟ بل: هل سيتعلمون مهارات جديدة تحمي وظائفهم؟ فالمستقبل لا ينتمي للمهنة بقدر ما ينتمي للشخص القادر على التعلم. ما تقدمه قائمة مايكروسوفت ليس تحذيرًا بل خريطة طريق، فهي تقول بوضوح إن بعض الوظائف تحتاج إلى إعادة تعريف، وإن بعضها سيشهد طفرة في الطلب مستقبلاً، وإن بعضها الآخر سيحتاج إلى دمج عميق مع الأنظمة الذكية، كما تكشف عن فجوة كبيرة بين العاملين الذين يستثمرون في تعلم التقنيات الحديثة، وأولئك الذين يكتفون بالمهارات التقليدية، هذه الفجوة ستتسع مع الوقت، لتشكل ما يمكن تسميته «الطبقة الرقمية الجديدة» القادرة على قيادة المؤسسات وأسواق العمل.