مرحلة غير مسبوقة من النضج والتطور وصل لها اتحاد كرة اليد الأفضل بدون منازع فى الرياضة المصرية خاصة فى الألعاب الجماعية، ومع المجلس الحالى برئاسة كابتن خالد فتحى خاض سلسلة من البطولات القارية والعالمية، اثبتت انه يحلق خارج السرب بدون منازع، ويقدم تجربة تستحق التوقف عندها وإلقاء الضوء عليها بعناية، ومن بين الخمسة الكبار فى بطولة العالم، مرورًا بذهبية أفريقيا للبنات، وبعدها بأيام ذهبية ثانية للشبات للتأكيد ان الريادة امتدّت لعالم السيدات، وبعدها حقق شبابنا مواليد 2006 المركز الخامس فى مونديال القاهرة بعدما تفوق وافترس العديد من الدول العظمى فى العالم، وحتى مونديال المغرب والضجة المدوية التى أحدثها شبابنا هناك بما قدموه من مستوى رفيع ابهر العالم الذى صفق عليهم بعدما عادوا بالميدالية الفضية بعد صراع عنيف من الألمان حسم فى آخر ثوان بعدما كان احفاد الفراعنة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذهبية العالم، وهو ما كان يجب أن نلقى الضوء عليه، فتح المدير الفنى لمنتخب مصر لكرة اليد تحت 17 عامًا عماد إبراهيم قلبه ل «الأخبار»، متحدثًا عن كواليس صناعة الجيل الذهبى الجديد لناشئى اليد، بهدوء المتمكن وثقة من يعرف طريقه، بدأ عماد حديثه قائلًا:»كنت على وشك دخول عالم الإخراج السينمائى، لكن القدر قادنى إلى ملاعب اليد، كنت أبحث عن مشهد يُخلّد فى الذاكرة، فوجدته فى الرياضة، التحقت بالأهلى لاعبًا، ثم احترفت بالفريق الأول، وبعدها وجدت نفسى شغوفًا بالتدريب أكثر من اللعب، لأبدأ رحلة جديدة مع الفكر والتنظيم والانضباط». الاتحاد وفر لنا «لبن العصفور».. وشكرًا لوزير الرياضة على الدعم والاستقبال تفوقنا بسبب العلم والطموح.. لأن اللعبة «فكر» قبل العضلات كيف بدأت رحلتك فى عالم التدريب؟ -يبتسم قائلًا: «بدأت من الصفر، من القاعدة، من فرق الناشئين فى الأهلى. ثم توليت تدريب فرق الطيران والجزيرة وهليوبوليس، قبل أن أعمل مساعدًا للكابتن محمد الألفى فى المنتخب الأول.. حصلت على دبلومة التدريب من جامعة لايبزيج الألمانية، ثم دبلومات أخرى من المجر ورومانيا، وكلها مدارس شكلت شخصيتى التدريبية. كرة اليد فى أوروبا علم وفكر قبل أن تكون قوة وعضلات». متى شعرت أن منتخبك قادر على تحقيق إنجاز فى مونديال المغرب؟ - منذ مباراة إسبانيا.. بعد الفوز قلت للاعبين: «أنتم الآن تكتبون تاريخًا جديدًا لكرة اليد المصرية». كان لديهم إيمان لا يتزعزع بأنهم قادرون على مقارعة الكبار،. كيف تقيم أداء الفريق فى البطولة؟ - قدمنا بطولة للتاريخ. خسرنا الذهب بشرف أمام ألمانيا بفارق هدف بعد أشواط إضافية، لكننا كسبنا احترام العالم. كل مباراة كانت حربًا فى الروح والذكاء والانضباط. لاعبونا حاربوا بشرف وصنعوا إنجازًا سيبقى فى ذاكرة الرياضة المصرية. صافرة النهاية كانت مؤلمة، لكنى كنت فخورًا بكل لاعب فى الملعب». ما الفارق الحقيقى الذى رجّح كفة ألمانيا؟ -الخبرة فقط. المنتخب الألمانى يضم لاعبين محترفين فى كبرى أندية أوروبا، بينما لاعبونا ما زالوا فى مرحلة التكوين، ومع ذلك صمدوا حتى الثوانى الأخيرة. تخيّل أن فارق الخبرة حُسم بهدف واحد فقط، وهذا وحده يكفى لنعرف قيمة ما حققوه. ما الذى يميز جيل 2008 عن غيره من الأجيال؟ -جيل لا يعرف المستحيل. يمتلك شخصية قوية داخل وخارج الملعب، وانضباطًا استثنائيًا. هذا الجيل يعيش كرة اليد بالفكر لا بالعشوائية، ويدرك معنى القميص الذى يرتديه. لديهم وعى تكتيكى عالٍ، وإصرار على النجاح، وشعور بالمسؤولية تجاه اسم مصر». كيف تتعامل ذهنيًا مع اللاعبين الصغار خاصة وأنهم فى مرحلة المراهقة؟ -أتعامل معهم كأب قبل أن أكون مدربًا. فى هذه المرحلة، الكلمة الطيبة أهم من التمرين نفسه. أضع نظامًا صارمًا للحياة واللعب، يقوم على مبدأ الثواب والعقاب. تجمع بين صرامة المدرب وحنان المربى، ما سر ذلك؟ - أحرص على أن يشعر كل لاعب بأنه جزء من مشروع كبير، وليس مجرد رقم فى قائمة. العقل قبل العضلة.. هذه فلسفتى الدائمة. ماذا عن دعم اتحاد اليد خلال فترة الإعداد؟ - الحقيقة أن اتحاد اليد لم يقصر فى أى شىء. وفّروا لنا كل ما طلبناه وأكثر، حرفيًا «وفّروا لنا لبن العصفور»، الكابتن خالد فتحى رئيس الاتحاد وعمرو فتحى عضو المجلس كانا معنا فى كل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، من الدعم النفسى إلى الفنى، وهو ما صنع الفارق فى الأوقات الصعبة. هذا الدعم منح اللاعبين إحساسًا بالأمان والمسئولية، والشكر ايضاً موصول لوزارة الشباب والرياضة الوزير الدكتور أشرف صبحى الذى دعمنا بقوة، واجتمع معنا. قبل السفر. وحفزنا وطالبنا بالعودة بميدالية من المونديال واستقبلنا فى المطار بالورود. فى رأيك.. لماذا ينجح اتحاد اليد أكثر من باقى الاتحادات الرياضية فى مصر؟ -السر ببساطة أنهم يجمعون بين العلم والعمل. هناك خطط واضحة، وتنفيذ دقيق، وتواصل دائم مع د.حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولى. بعد وصافة العالم.. ما خطتك القادمة؟ -الوصافة ليست النهاية، بل بداية الطريق. هدفنا القادم هو الذهب، وسنعمل على تطوير الجانب الدفاعى والبدنى ورفع التركيز فى اللحظات الحاسمة.. أؤمن أن هذا الجيل إذا حظى بنفس الدعم والاهتمام سيصنع أمجادًا أكبر من التى سبقت. وهناك 5 لاعبين واعدين قادورون على اللعب بأكبر الدوريات الأوروبية. هل تفكر فى تدريب فرق أكبر سنًا أو المنتخب الأول مستقبلًا؟ -كل مرحلة لها متعتها الخاصة. تدريب الناشئين يمنحنى شعورًا فريدًا لأننى أشارك فى صناعة رجال، لا مجرد لاعبين. لكنى لا أضع حدودًا لطموحى. حين يحين الوقت المناسب سأكون جاهزًا لأى تحدٍ يخدم كرة اليد المصرية». ما أكثر لحظة لا تُنسى فى مسيرتك؟ -طبعا لحظة رفع العلم المصرى بعد المباراة النهائية فى المغرب. كنت أشعر أننى أعيش مشهدًا سينمائيًا حقيقيًا. الدموع فى عيون اللاعبين والجهاز الفنى كانت أغلى من أى ميدالية. هذه اللحظة وحدها كفيلة بأن تُنسيك تعب السنين. ما رسالتك للجماهير المصرية التى تابعت البطولة؟ -أقول لهم: أنتم شركاء فى الإنجاز. دعمكم كان سلاحنا الحقيقى ،أعدكم أن منتخب 2008 سيعود أقوى، وسنكتب معًا فصلًا جديدًا من فصول المجد المصرى. هذه ليست نهاية القصة، بل بدايتها.