◄ كل قطعة نافذة على حياة إنسان عاش قبل آلاف السنين ◄ عصر القوة والإمبراطوريات من الدولة الوسطى للعصر الحديث تخيل أنك تقف أمام بوابة ضخمة لا تفتح فحسب، بل تهمس لك بصوت الزمن: «كل خطوة تخطوها ستعيدك آلاف السنين إلى الوراء». رائحة الحجر العتيق تمتزج بهدوء الهواء، ومع كل نفس تشعر بأن المكان يضم أصوات الماضي المكتومة بين جدرانه. حين تخطو إلى داخل المتحف المصري الكبير (GEM)، تترك وراءك ضجيج المدينة، لتدخل عالمًا يصمت أمامك ويستقبلك بروح مصر الخالدة. أنت على وشك أن تدخل عالمًا لا يشبه أى مكان آخر؛ كل خطوة تخطوها هنا هى لقاء مباشر مع الماضي، وكل زاوية تحكى قصة لم تُروَ من قبل. وكما يقول الدكتور أحمد غنيم، المدير التنفيذي للمتحف: «من يسير بلا شغف يمكنه إنهاء الجولة خلال ساعات، لكن من يريد التواصل الحقيقى مع الحضارة سيحتاج إلى ثلاثة أيام كاملة ليعيش كل التفاصيل والحكايات والأسرار». واليوم، سنأخذك فى رحلة مكثفة، غنية بالعواطف والتفاصيل الحسية، لتشعر وكأنك داخل المتحف، تلمس كل حجر وتشاهد كل قطعة بعينيك. ◄ اقرأ أيضًا | أستاذة بجامعة ميلانو: المتحف المصري الكبير مشروع محوري لعلم الآثار العالمي ◄ تحية الشمس عند المدخل الرئيسي، تتوقف أنفاسك أمام المسلة المعلقة، تحفة فنية فريدة يعود تاريخها إلى أكثر من 3500 عام. بارتفاعها الذى يبلغ 53 قدمًا، تبدو وكأنها تلامس السماء، لكنها تقف على قاعدة زجاجية مبتكرة تتيح للزائر رؤية النقوش الهيروغليفية من الأسفل، فى زاوية لم يرها أحد من قبل. كل نقشٍ هو قصة ملك أو احتفال دينى أو نص مقدس، وكأن الشمس نفسها تهمس لك أسرار مصر القديمة. الضوء الطبيعى يتسلل من السقف الزجاجى ليضيء الحروف الحجرية، فتلمع كأنها تحكى حكايةً عبر العصور. هنا، لا ترى حجرًا فقط، بل رسالة خالدة من القدماء، كتبوها على لسان الأبدية. ◄ الملك الخالد بمجرد دخولك، تواجه تمثال رمسيس الثانى شامخًا فى صالة العرض الكبرى. عمره أكثر من 3200 عام، وهيبته تملأ المكان حتى تكاد تشعر أن الملك نفسه يراقبك بعينيه الثابتتين من عمق الزمن، وكأنه يقول: «مرحبًا بك فى حضرة مصر.. حيث الخلود حقيقي». اقترب منه قليلًا، وتأمل ملامح الوجه الملكى وتعابير الحزم المنحوتة بدقة مذهلة. كل ثنية فى الرداء وكل نقش على القاعدة يروى لك قصة عن القوة والانتصار والعبادة. الضوء الطبيعي المتسلل من السقف يعيد الحياة إلى الحجر، فيبدو وكأن التمثال ينبض بروح التاريخ. إنها لحظة تشعر فيها بالقشعريرة، حين تدرك أن هذا الملك واجه آلاف العيون قبل أن يلتقى نظرك اليوم، ولا يزال صامدًا، كما لو أنه ينتظر من يروى قصته من جديد. ◄ الدرج العظيم خلف تمثال رمسيس يمتد الدرج العظيم المكوَّن من 108 درجات، تصعده بين تماثيل ملوك وملكات مصر القديمة التى تصطف كحراس الزمن. كل تمثال يحمل نظرة، وكل نظرة تروى قصة. المساحة مترامية، والضوء الزجاجى ينساب على الوجوه الحجرية ليمنحها حياة ناعمة. عندما تضع يدك على قاعدة أحد التماثيل، تشعر ببرودة الحجر التى تحمل عمر آلاف السنين، وتكاد تسمع صدى أقدام الملوك فى طريقهم إلى الخلود. وفي نهاية السلم، تُفاجأ بمشهد بانورامى للأهرامات الثلاثة من خلف الواجهة الزجاجية الشفافة، مشهد يخطف الأنفاس ويجعلك تدرك أنك تقف على حافة الزمن، بين الماضى والخلود. يضم المتحف 12 قاعة رئيسية تحتوى على أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطى تاريخ مصر منذ فجر الحضارة حتى العصر الروماني. من عصور ما قبل التاريخ حتى الدولة الوسطى: حيث تتعرف على نشوء الملك الإله، وبناء الأهرامات الأولى، وبداية الطقوس الجنائزية وفنون الحجر والمعادن. من الدولة الوسطى إلى نهاية الدولة الحديثة: عصر القوة والإمبراطوريات، عبادة آمون رع، والفنون والنقوش المذهلة على القبور والمعابد. العصر المتأخر والعصران اليونانى والروماني: تفاعل الحضارات، امتزاج الديانات، وولادة ملامح الفن المصرى - الهيلينى المميز. كل قطعة هنا نافذة على حياة إنسان عاش قبل آلاف السنين؛ أدواته، زينته، تماثيله، وحتى ابتسامته المنحوتة على حجر الزمن. ◄ الملك الشاب لا تكتمل جولتك دون زيارة قاعة الملك توت عنخ آمون، حيث تقدم تجربة تفاعلية بصرية بزاوية 360 درجة تعيدك إلى 3500 عام مضت. في عرض مدته 30 دقيقة، يحيطك الضوء والصوت والموسيقى التصويرية لتعيش قصة الملك الشاب فى عالم من المعابد والكنوز. الملك يظهر أمامك بملابسه الزاهية، يبتسم ويتحدث إليك، يروى أسراره، وترافقه مشاهد اكتشاف مقبرته الشهيرة على يد هوارد كارتر. النهر يجرى بجوارك، والخنفساء المقدسة «الجعل» تزحف تحت قدميك، فى محاكاة مدهشة للحياة القديمة، صنعها الذكاء الاصطناعى لتعيد التاريخ إلى الحياة. ◄ الرحلة الأبدية في معرض مراكب الملك خوفو، تنتظرك تجربة لا تُنسى. قاربان ملكيان ضخمان أحدهما تم ترميمه بالكامل، والآخر يُعرض أمامك أثناء عملية الترميم. هذه القوارب لم تُصنع للنقل فحسب، بل كانت وسيلة للرحلة الأبدية للملك مع إله الشمس رع إلى الحياة الأخرى. تتأمل كل لوح خشبي، كل وتر ومسمار، وتشعر وكأنك على متن القارب الملكى تُبحر عبر النيل نحو الأبدية. ◄ الواقع الافتراضي يقدم المتحف تجربة فريدة عبر تقنيات الواقع الافتراضى (VR) والواقع المعزز (AR) والهولوجرام، ليصبح أول متحف مصرى يدمج التكنولوجيا بهذا العمق مع الآثار. بتقنية VR يمكنك دخول المقابر والمعابد ومشاهدة مراسم الدفن الملكية وكأنك أحد المشاركين فيها. أما AR فيتيح لك التفاعل مع الملوك والملكات فى صور ثلاثية الأبعاد، لترى التماثيل المفقودة كاملة أمامك. بينما يعرض الهولوجرام صورًا متحركة للأحداث والشخصيات التاريخية لتشعر بأن الماضى ينبض أمامك بالفعل. كل تجربة تكنولوجية تضيف بعدًا جديدًا للعلاقة بين الإنسان والتاريخ، لتخرج وأنت تشعر أنك عشت داخل الحضارة لا مجرد زائر لها. عندما تخرج من المتحف بعد يوم طويل، تدرك أن الرحلة لم تكن مجرد مشاهدة للآثار، بل تجربة عيشٍ للتاريخ بكل حواسك. وكما قال الدكتور أحمد غنيم: «الزائر يحتاج إلى ثلاثة أيام ليغوص فى كل تفاصيل المتحف، الذى تمتد مساحته لما يعادل أربعة ملاعب كرة قدم ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية». قبل مغادرتك، يمكنك اقتناء تذكار من متجر الهدايا - نسخة صغيرة من القناع الذهبى أو تمثال فرعونى أو قطعة فنية مستوحاة من روح مصر القديمة. حين تخرج، تشعر أن قلبك لا يزال هناك، بين تماثيل الملوك، والدرج العظيم، وبانوراما الأهرامات، وقاعة توت عنخ آمون، ومراكب خوفو. إنها رحلة عبر الزمن، تترك فيك أثرًا خالدًا، كما لو أن مصر نفسها تهمس لك: «عدت من رحلتك عبر الزمن... لكننا باقون فى قلبك إلى الأبد».