أكدت البروفيسورة الإيطالية باتريتسيا بياتشينتيني أن المتحف المصري الكبير يمثل مشروعًا فارقًا في تاريخ علم الآثار، ليس لأنه يضم كنوزًا لا تُقدَّر بثمن فحسب، بل لأنه يجمع ولأول مرة بين متحف للعرض ومركز متكامل للبحث والحفظ، مما يتيح دراسة وصون القطع الأثرية بأعلى معايير الدقة العلمية. في يوم افتتاح المتحف المصري الكبير، تواصلت "آخرساعة" عبر الإيميل مع باتريتسيا بياتشينتيني، أستاذة علم المصريات والآثار المصرية بجامعة ميلانو ومديرة البعثة المصرية الإيطالية فى غرب أسوان، حيث رحبت بإجراء هذا الحوار الخاص معها بالتزامن مع هذا الحدث الاستثنائي، الذى وصفته بكلمات مؤثرة قائلة: "إنه يوم تاريخي". ◄ كيف تنظرين إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المتحف المصرى الكبير في المشهد الأثري المصري والعالمي؟ يُعد المتحف المصرى الكبير مشروعًا محوريًا لمصر ولعلم الآثار في العالم أجمع. فهو ليس مجرد مبنى استثنائي لعرض الكنوز، بل مركز بحثي وحفظ متطور على أعلى مستوى، حيث تتيح المختبرات المتقدمة والمساحات المضبوطة مناخيًا للخبراء دراسة القطع الأثرية الدقيقة وصونها بدرجة من الدقة غير المسبوقة. ومن خلال جمع عشرات الآلاف من القطع، كثير منها يُعرض لأول مرة، أصبح المتحف مركزًا للتعاون بين الباحثين المصريين والدوليين. كما أن موقعه القريب من أهرام الجيزة يعزز الصلة بين الاكتشاف الأثرى وأعمال الحفظ، بما يضمن دراسة المكتشفات الجديدة وحمايتها بأفضل الطرق العلمية. ◄ اقرأ أيضًا | أستاذة علم المصريات بجامعة يورك البريطانية عن المتحف المصري الكبير: منشأة حضارية مدهشة ◄ ما أبرز التحديات المتعلقة بعرض وصون الآثار المصرية القديمة داخل بيئة متحفية حديثة؟ أحد التحديات الكبرى هو تحقيق التوازن بين الحفظ والعرض العام، فالمواد الأثرية القديمة شديدة الحساسية، فالضوء والرطوبة وحتى أدنى تغيّر فى درجات الحرارة قد يتسبب فى تلفها، لذا فإن الحفاظ على بيئة مستقرة تحمى هذه القطع الأثرية مع إتاحة الفرصة للزوار لرؤيتها والاستمتاع بها يمثل تحديًا تقنيًا وتنظيميًا دائمًا. وهناك أيضًا مسألة التفسير: كيف نروى قصة هذه القطع بطريقة مسئولة دون المبالغة فى ترميمها أو تبسيط معناها؟ كما أن المتاحف الحديثة مطالَبة بالتعامل مع قضايا أخلاقية تتعلق بكيفية عرض وتصوير الحضارة المصرية وبالملكية، وبالطرق المتطورة التى نفهم من خلالها التراث الثقافى المصرى. ◄ كيف يمكن للمتحف المصري الكبير أن يسهم فى ربط الجمهور عاشق الآثار حول العالم بالتراث المصري القديم وبالأبحاث الأثرية الجارية؟ يمتلك المتحف المصرى الكبير طاقة هائلة ليكون جسرًا ثقافيًا عالميًا. من خلال المعارض الرقمية، والجولات الافتراضية، ومشروعات التعاون الدولية، يمكنه أن يُعرّف شعوب العالم أجمع بتراث مصر القديم. وهو أيضًا مساحة يمكن للزائر فيها أن يتجاوز الصور النمطية للفراعنة والأهرامات ليكتشف القصص الإنسانية وراءها، مثل قصص الحرفيين والبنّائين والناس الذين صنعوا هذه الحضارة. وبدمج العرض الكلاسيكى مع التكنولوجيا المتقدمة والبرامج التعليمية، يستطيع المتحف أن يثير فضول الجمهور ويغرس لديهم إحساسًا أعمق بتاريخ مشترك يجمع الإنسانية عبر الزمن. ◄ هل لديك نصائح للطلاب أو الباحثين أو الزوار تساعدهم على فهم القطع الأثرية والتاريخ الذي تمثله بشكل أفضل؟ نصيحتي هى أن ننظر إلى ما وراء الذهب والعظمة. فكل قطعة أثرية، مهما كانت صغيرة، تروى قصة إنسانية عن الإيمان، والإبداع، والحياة اليومية، والهوية. أما للطلاب والباحثين، فأنصح بدراسة هذه القطع من زوايا متعددة: التاريخ، والفن، واللغة، والعلم، فكل منظور منها يكشف جانبًا مختلفًا من الحضارة. وبالنسبة للزوار، خذوا وقتكم فى التأمل. اقرأوا الشروح، لكن تخيلوا أيضًا من أين جاءت كل قطعة، وفكروا فى الأيدى التى صنعتها. فمصر القديمة لم تكن عالمًا جامدًا متوقفًا فى الزمن، بل كانت عالمًا حيًا متغيرًا وهذه الآثار هى صلتنا الأكثر مباشرة بذلك العالم.