في مشهدٍ استثنائي يليق بعظمة الحضارة المصرية، توافدت جموع الزائرين من مختلف أنحاء العالم إلى المتحف المصري الكبير بالجيزة، في ثالث أيام افتتاحه الرسمي، لمشاهدة العرض الذهبي الأضخم في التاريخ المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة مجتمعة منذ اكتشاف مقبرته المذهلة قبل أكثر من مائة عام. تحوّل المتحف إلى مسرح للدهشة، حيث اصطف الزوار في أروقته الفسيحة ليشهدوا رحلة الذهب والخلود، بدءًا من القناع الذهبي الشهير الذي يتلألأ تحت إضاءة خافتة تُبرز ملامح الملك الشاب، وصولًا إلى التوابيت المذهبة والعجلات الحربية والأدوات الملكية التي رافقته إلى العالم الآخر. ولم يكن المشهد مجرد عرضٍ أثري، بل تجربة بصرية وروحية تعيد إحياء أسطورة الملك الطفل الذي أسر خيال البشرية منذ اكتشاف مقبرته في وادي الملوك بالأقصر عام 1922. اقرأ أيضًا | فاترينة مومياء الملك خاوية.. وعرض أجنة بناته للمرة الأولى - القاعة الذهبية.. قلب المتحف ونبض التاريخ تُعد قاعة الملك الذهبي أبرز محاور المتحف الجديد، حيث جُهزت لتضم نحو 4500 قطعة أثرية من مقتنيات توت عنخ آمون، جميعها مرتبة بعناية وفق سيناريو عرض حديث يدمج بين التكنولوجيا المتقدمة والسرد التاريخي البصري. وتنقسم القاعة إلى أربعة مستويات تسرد مراحل حياة الملك من طفولته وصعوده إلى العرش وحتى رحلته إلى الخلود، لتمنح الزائر تجربة تفاعلية تنقله بين الفن والمعتقد والعظمة الملكية. يتصدر القناع الذهبي المشهد في منتصف القاعة كجوهرة خالدة تضيء المكان، تحيط به تماثيل صغيرة من الذهب والأحجار الكريمة، وحلي ملكية دقيقة الصنع، وأثاث جنائزي مذهّب يكشف عن براعة المصري القديم في مزج الجمال بالعقيدة. - رحلة الخلود في تفاصيل الذهب يتيح العرض للزائرين التعمق في حياة الملك الشاب الذي حكم مصر لتسع سنوات فقط وتوفي في التاسعة عشرة من عمره. تُعرض مومياؤه داخل ثلاثة توابيت متداخلة، أصغرها من الذهب الخالص بوزن يتجاوز 110 كيلوجرامات، محاطة بأربع مقصورات مذهبة ضخمة كانت تحفظها داخل المقبرة الأصلية، في مشهد يعيد تجسيد رحلة الروح إلى الأبدية كما تخيلها المصري القديم. وترافق هذه المجموعة شاشات تفاعلية بتقنيات الهولوجرام تقدم رؤية علمية لتاريخ المقبرة وطرق التحنيط والتفسير الأثري لمقتنيات الملك. - المتحف الكبير.. معبد الحضارة الحديثة إلى جانب كنوز توت عنخ آمون، يحتضن المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل مختلف عصور التاريخ المصري، من الدولة القديمة حتى العصر البطلمي. في البهو العظيم يقف تمثال رمسيس الثاني شامخًا كحارس للتاريخ، تحيط به تماثيل ضخمة ومسلات فرعونية يعبر بينها ممر مائي أنيق يضفي على المكان روحًا مهيبة. وفي قاعة مجاورة، يقف مركب خوفو الشمسي مهيبًا بطوله الذي يتجاوز 43 مترًا، فيما تتيح نوافذ زجاجية للزوار متابعة أعمال ترميم المركب الشمسي الثاني في مشهد فريد يربط الماضي بالحاضر والعلم بالفن. - تجربة عالمية بروح مصرية يمثل المتحف المصري الكبير تجربة ثقافية وسياحية متكاملة، تجمع بين التراث والحداثة في تصميم معماري فريد يمتد على مساحة تزيد على نصف مليون متر مربع. تتنوع مرافقه بين القاعات المتحفية ومركز المؤتمرات وصالات العرض المؤقتة والمناطق الترفيهية والمطاعم والمحال الثقافية، ليصبح وجهة متكاملة للزوار من مختلف الأعمار والثقافات. ومع هذا الإقبال المتزايد من الزائرين المحليين والأجانب، يترسخ المتحف كمحور عالمي للثقافة والبحث والتعليم الأثري، ونقطة انطلاق جديدة لمستقبل السياحة الثقافية في مصر. - مصر تكتب سطرًا جديدًا في سجل الخلود بهذا الافتتاح المهيب، يستعيد العالم وهجه أمام روائع الفراعنة، حيث يلتقي الإنسان الحديث بعبقرية المصري القديم في مشهدٍ يجسد استمرارية الحضارة عبر الزمن. إنها عودة توت عنخ آمون إلى مجده الأبدي، وعودة مصر إلى صدارة المشهد الحضاري العالمي، في عرضٍ ذهبيٍ لا يُنسى يروي قصة الخلود من قلب الجيزة إلى ضمير العالم.