في الرابع من نوفمبر عام 1922، كانت مدينة الأقصر على موعد مع حدث غيّر وجه علم الآثار إلى الأبد؛ ففي وادي الملوك، وبين الرمال الصامتة التي تخبئ أسرار القدماء المصريين؛ نجح عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في اكتشاف مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون، بعد سنوات طويلة من البحث الممول من اللورد كارنافون؛ لم يكن أحد يتخيل أن هذا الاكتشاف سيصبح أعظم اكتشاف أثري في القرن العشرين، بل وفي تاريخ علم المصريات بأكمله. بدأت الحكاية عندما لمح الطفل حسين عبد الرسول، درجة حجرية غريبة أثناء تنظيف الأرض؛ كانت تلك الدرجة مدخلًا إلى سلم يقود إلى مقبرة لم يُمسَّ ترابها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام؛ أدرك كارتر على الفور أنه أمام اكتشاف استثنائي، وبعد أيام قليلة وتحديدًا في 16 فبراير 1923، دخل المقبرة لأول مرة، ليجد كنزًا أثريًا لا يُقدّر بثمن. كنوز الملك الذهبي ما إن أزيح الستار عن المقبرة حتى بهر العالم بما تحتويه من كنوز لا مثيل لها: أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية، من بينها العربات الملكية، والأسِرّة، والتماثيل، والمجوهرات، والأسلحة، والصناديق المزخرفة؛ لكن الأجمل بينها كان التوابيت الثلاثة التي احتضنت جسد الملك الشاب. في داخل الغرفة الدفنية، وُجد ثلاثة توابيت متداخلة أبرزها: التابوت الذهبي الداخلي المصنوع من الذهب الخالص، بوزن يزيد على 110 كيلوجرامات. التابوت الأوسط المصنوع من الخشب المكسو بالذهب والمطعّم بالأحجار والزجاج الملون. التابوت الخارجي الكبير الذي صُنع من الخشب المذهب، ويمثل الملك كالإله أوزير، متقاطع اليدين وهو يمسك بشارات الملكية. وفي الثالث من يناير عام 1924، أي بعد عامين من اكتشاف المقبرة، اكتشف كارتر التابوت الحجري الذي احتضن هذه التوابيت الثمينة، لتكتمل ملحمة الاكتشاف الأعظم في التاريخ الحديث. من الأقصر إلى المتحف المصري الكبير مرّت مئة عام على هذا الاكتشاف الأسطوري، وما زال بريق الملك الشاب يأسر العالم؛ واليوم تتهيأ مجموعة توت عنخ آمون لتبدأ فصلًا جديدًا من رحلتها داخل المتحف المصري الكبير، أكبر متحف أثري في العالم، الواقع على بُعد خطوات من أهرامات الجيزة. تقول فاطمة عبد الله، مديرة العرض المتحفي بالمتحف المصري الكبير، خلال مداخلة عبر قناة اكسترا نيوز؛ إن القاعة المخصصة لتوت عنخ آمون ستكون "عرضًا غير مسبوق"، إذ تُعرض فيها المجموعة الكاملة لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة، داخل مساحة تبلغ 7500 متر مربع — أي ستة أضعاف المساحة التي كانت في المتحف المصري بالتحرير. القاعة تنقسم إلى خمسة موضوعات رئيسية، تبدأ برحلة اكتشاف المقبرة، مرورًا بحياة الملك ومعتقداته، وصولًا إلى كنوزه ومقتنياته الشخصية؛ يدخل الزائر وكأنه يسير في رحلة زمنية تعيده إلى وادي الملوك، حيث بدأ كل شيء قبل قرن من الزمان. في تجربة تُعدّ الأولى من نوعها، يجمع المتحف بين المعايير العالمية للعرض المتحفي والهوية المصرية الأصيلة؛ المساحات الواسعة والارتفاعات الشاهقة صُممت لتأخذ الزائر في رحلة داخل الحضارة المصرية القديمة، وصولًا إلى المسلة المعلقة للملك رمسيس الثاني التي تتيح للزائر المرور أسفلها لمشاهدة النقوش والخرطوش الملكي من قرب. ويضم المتحف 12 قاعة عرض رئيسية تغطي تاريخ مصر من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الروماني، مرتبة ضمن ثلاثة محاور كبرى: المجتمع، والملكية، والمعتقدات. منذ أن خُتمت مقبرة توت عنخ آمون قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، لم يتخيل أحد أن هذا الملك الشاب، الذي حكم مصر لفترة قصيرة، سيصبح أشهر ملوكها على الإطلاق؛ واليوم بعد قرن من اكتشاف مقبرته، يواصل الملك الذهبي إبهار العالم من جديد، لكن هذه المرة من قلب المتحف المصري الكبير، حيث ينتظره الزوار ليعيشوا تجربة الخلود التي حلم بها المصريون القدماء منذ آلاف السنين.