إبيساوا يو: دعمنا للمتحف رسالة تقدير لحضارة مصر التي ألهمت العالم ... مشروعان جديدان لتعزيز التعاون الفني والبحثي حتى عام 2028 ... المتحف المصري الكبير نموذج عالمي لتعاون حضاري يربط الشرق بالغرب ... من الأوبرا إلى المتحف الكبير.. شراكة ثقافية خالدة بين القاهرة وطوكيو المتحف المصري الكبير، أحد أبرز المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، تتجه الأنظار إلى التعاون المصري الياباني الذي شكّل أحد أسرار نجاح هذا الصرح العالمي. فمنذ انطلاق المشروع، كانت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي «جايكا» شريكًا رئيسيًا في مراحل البناء والتجهيز والدعم الفني والتقني، إلى جانب المساهمة في تدريب الكوادر المصرية ونقل الخبرات اليابانية في مجالات الإدارة والترميم والعرض المتحفي. هذا التعاون الذي امتد لأكثر من عقدين تحوّل إلى نموذج يحتذى به في العلاقات بين البلدين، ليس فقط على مستوى البنية التحتية، بل في بناء الإنسان أيضًا. وفي ضوء ما نشهده عقب الافتتاح الرسمي للمتحف من اقبال، التقت «بوابة أخبار اليوم» السيد «إبيساوا يو»، رئيس مكتب «جايكا» بالقاهرة، الذي كشف عن ملامح المرحلة المقبلة من الشراكة، والمشروعات الجديدة المقرر تنفيذها في المتحف المصري الكبير، وتحدّث عن رؤية اليابان للتعاون الثقافي مع مصر ودور المتحف في تعزيز الحوار بين الحضارات. ،، ............... المتحف المصري الكبير.. رمز للثقة والصداقة بين مصر واليابان كيف تنظر جايكا إلى المتحف المصري الكبير باعتباره رمزًا للشراكة الثقافية بين مصر واليابان، وليس مجرد مشروع تنموي؟ المتحف المصري الكبير بالنسبة لنا ليس مجرد مشروع، بل التزام مشترك مع الحكومة المصرية للحفاظ على التراث الثقافي والإنساني، وهو دليل خالد على الصداقة والاحترام المتبادل بين البلدين. يمثل هذا الصرح العملاق إيمان اليابان بأن التعاون التنموي لا يقتصر على البنية التحتية أو الاقتصاد فقط، بل يشمل أيضًا حفظ التاريخ وتعزيز الحوار بين الثقافات. كما أنه يجسد جوهر فلسفة «جايكا» القائمة على العمل المشترك، حيث امتزجت التمويلات والخبرات والتكنولوجيا اليابانية مع الرؤية والمواهب المصرية، فخرج هذا المشروع الاستثنائي إلى النور ليُقدم للعالم نموذجًا فريدًا في التعاون الثقافي الدولي. وقدّمت حكومة اليابان، من خلال «جايكا»، دعمًا شاملاً للمتحف عبر تمويلين ميسّرين في عامي 2006 و2016 لبناء المبنى، إضافة إلى مشروعات التعاون الفني التي بدأت عام 2008، وساهمت في دعم عمليات حفظ ونقل وأرشفة القطع الأثرية وتدريب العاملين في مصر واليابان. كما ساعدت في بناء القدرات اللازمة لتشغيل وإدارة المتحف، بجانب الإسهام في أعمال الترميم والتنقيب وتجميع مركب خوفو الثاني، المتوقع أن يكون من أبرز عناصر الجذب داخل المتحف. ولا بد من الإشارة إلى أن التعاون الثقافي بين مصر واليابان ليس وليد اليوم، فقد بدأ منذ افتتاح دار الأوبرا المصرية عام 1988 كهدية من اليابان لمصر، وهي تمثل بدورها أحد أروع رموز الصداقة والاحترام المتبادل بين الشعبين. احترام التراث المصري دافع اليابان للمشاركة في المشروع عندما بدأ التعاون بين القاهرة وطوكيو في هذا المشروع العملاق، ما كانت الرؤية اليابانية وراء دعم متحف يعرض حضارة غير يابانية؟ بدأ دعم «جايكا» للمتحف المصري الكبير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بناءً على طلب رسمي من الحكومة المصرية لدعم مشروع يُعد من أكثر المشروعات الثقافية والسياحية طموحًا في المنطقة، ويقع في موقع مميز أمام أهرامات الجيزة، كان دافع اليابان هو احترامها العميق للحضارة المصرية الفريدة، والالتزام بالحفاظ عليها للأجيال القادمة، ولم ننظر إلى المشروع كفرصة لحفظ التراث المصري فقط، بل كرمز للصداقة والثقة بين بلدينا. كما أن للمتحف دورًا اقتصاديًا وسياحيًا مؤثرًا، إذ يعزز قطاع السياحة الذي يُعد محركًا مهمًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وهو ما يتوافق مع أهداف «جايكا» التنموية. ومن المعروف أن الشعب الياباني شغوف بالحضارة المصرية القديمة، وهذا الشغف سيتعمق بعد افتتاح المتحف، ما سيخلق تفاعلًا ثقافيًا مستمرًا لعقود، لأن المصريات تثير إعجابًا خاصًا لدى اليابانيين، من أسرار الأهرامات والمومياوات إلى كنوز الملك توت عنخ آمون. تعاون حضاري عالمي يتجاوز الحدود هل يمكن القول إن تجربة المتحف المصري الكبير أصبحت نموذجًا عالميًا لتعاون حضاري يتجاوز الحدود الجغرافية؟ بالتأكيد، فالمتحف المصري الكبير يمثل قفزة هائلة في عرض واحدة من أعظم الحضارات في العالم وهو بالنسبة لليابان والمجتمع الدولي أكبر متحف لحضارة واحدة في التاريخ، ونموذج فريد للتعاون الدولي في حفظ التراث وتعزيز الحوار الثقافي بين الأمم. نتوقع أن يصبح المتحف مركزًا عالميًا للبحث العلمي في علوم المصريات والترميم، خاصة عبر مركز الترميم الملحق به، الذي ساهمت اليابان في تنمية قدرات العاملين فيه، وسيكون هذا المركز موردًا علميًا هامًا لدول الشرق الأوسط وأفريقيا للاستفادة من الخبرات المصرية واليابانية المشتركة. كما أن تنفيذ المشروع نفسه كان مثالًا للتكامل الدولي؛ من التصميم الذي فازت به شركة أيرلندية في مسابقة أشرفت عليها اليونسكو، إلى تنفيذ شركات مصرية وعالمية من اليابان، إيطاليا، ألمانيا، إسبانيا، وبلجيكا، مما جعل المتحف بحق نموذجًا فريدًا للتعاون الإنساني متعدد الثقافات. بناء القدرات المصرية حجر الأساس للنجاح جايكا ساهمت في تمويل وتدريب وبناء قدرات بشرية.. ما أهم النتائج التي تحققت على مستوى العنصر المصري داخل المتحف؟ إلى جانب التمويل، نفذت «جايكا» سلسلة طويلة من مشاريع التعاون الفني مع المتحف منذ عام 2008، شملت إنشاء قاعدة بيانات للقطع الأثرية بمركز الترميم، ومشروعات ترميم ونقل وحفظ معقدة، شارك فيها خبراء يابانيون إلى جانب خبراء مصريين، كما تم تدريب عدد من العاملين في مركز الترميم GEM-CC داخل اليابان، في مجالات دقيقة تشمل ترميم القطع الأثرية ونقلها، ومشروعات الترميم المشترك لعدد من القطع النادرة لتوت عنخ آمون، إلى جانب مشروع مركب خوفو الثاني، كل هذه الأنشطة أسهمت في بناء خبرات مصرية قوية باتت اليوم قادرة على إدارة وتشغيل واحد من أعظم المتاحف في العالم بكفاءة عالية. الروح اليابانية في دقة التنفيذ والتنظيم اليابان تشتهر بالدقة والتنظيم.. كيف انعكست هذه الروح على مراحل تنفيذ المتحف؟ من جانبنا، نؤمن بأهمية احترام القيادة الوطنية لأي مشروع، وقد قادت الدولة المصرية المشروع بكل مسؤولية بصفتها المالك الرئيسي، فيما اقتصر دور «جايكا» على الدعم الفني والمالي والمساعدة في تذليل العقبات، ونؤمن أن المشروعات القومية يجب أن تبقى ملكًا للدولة، بما يضمن استدامتها، وهذا ما التزمنا به في كل مراحل التنفيذ. وننتهز هذه الفرصة لنعرب عن خالص الشكر والتقدير للحكومة المصرية وجميع القائمين على المشروع على جهودهم الكبيرة واصرارهم المستمرعلى تحقيق هذا الانجاز التاريخى الذى يعتز به الجانب المصرى واليابانى معاً. نقل المعرفة.. جوهر الشراكة بين القاهرة وطوكيو نسمع كثيرًا عن "نقل المعرفة" وليس فقط "نقل التكنولوجيا".. كيف جسّد مشروع المتحف هذه الفلسفة؟ مصر متقدمة للغاية في علوم الآثار والمصريات، والتعاون بيننا ارتكز على تبادل المعرفة وليس التلقين، وعمل الجانبان على تحقيق أفضل معايير النقل الآمن والترميم الدقيق للقطع الأثرية، خاصة مجموعة توت عنخ آمون. وشارك خبراؤنا اليابانيون في تطبيق تقنيات الحفظ الوقائي، واستخدمنا أحدث المعدات مثل المجهر الرقمي، وأجهزة الأشعة السينية المحمولة، وأدوات المسح ثلاثي الأبعاد، والرافعة الشوكية الكهربائية لنقل القطع الأثرية الثقيلة بأمان بما يضمن الحفاظ على المقتنيات النادرة بأعلى مستويات الجودة العالمية. لحظات مؤثرة في مسيرة التعاون من وجهة نظركم، ما أكثر اللحظات تأثيرًا في مسار التعاون بين جايكا والمتحف؟ هناك لحظات كثيرة، لكن من أبرزها قرار الحكومة اليابانية عام 2016 بتقديم قرض ميسر ثانٍ لاستكمال المتحف بعد التحديات المحلية والإقليمية التي واجهت المشروع، وكان هذا أكبر تمويل تقدمه «جايكا» لمشروع ثقافي مماثل، وهو دليل على الثقة الكاملة في هذا التعاون. اليابان تعلن مشروعين جديدين لدعم المتحف المصري الكبير حتى 2028 هل تتجه جايكا لمواصلة التعاون مع مصر في مشروعات ثقافية أخرى بعد المتحف المصري الكبير؟ بالطبع، فالتعاون لن يتوقف عند الافتتاح، وأُعلن مؤخرًا عن مشروعين جديدين للتعاون الفني مع المتحف المصري الكبير، الأول بدأ في مايو 2025 ويستمر حتى مايو 2028، ويهدف إلى تنمية قدرات هيئة المتحف في مجالات إدارة الشراكات، التسويق، التعليم المتحفي، وتجربة الزائر. أما المشروع الثاني، فيبدأ في ديسمبر 2025 ويستمر حتى ديسمبر 2028، تحت عنوان مركز عالمي للترميم والبحث العلمي، ويهدف إلى تحويل المتحف إلى مركز إقليمي ودولي للبحث والتدريب في مجالات التراث الثقافي، كما يجري تنفيذ منحة جديدة لدار الأوبرا المصرية لتجديد المسرح الكبير، تأكيدًا على استمرار الشراكة الثقافية العميقة بين البلدين. الثقة المتبادلة.. أساس التعاون الإنساني باعتباركم تمثلون جايكا في القاهرة، كيف تصفون العلاقة الإنسانية والمهنية مع الفريق المصري داخل المتحف؟ هذا المشروع من أطول وأعمق مشروعات «جايكا» في مصر، وامتد على مدى سنوات طويلة، وتبدلت خلاله إدارات وقيادات عديدة، لكن ظل الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة أساس التعاون، والعلاقة بين الجانبين ممتازة على المستويين الإنساني والمهني، وتظهر بوضوح في الاجتماعات الدورية للجنة العليا للمسؤولين المصريين واليابانيين (SOHC) برئاسة وزير السياحة والآثار، وتنسيق السفير هشام الزميتي. وقد ساهمت هذه الاجتماعات في ضمان التوافق حول أهداف المشروع وجدوله الزمني وجاهزيته التشغيلية، وربط المشروع بعدد من مبادرات «جايكا» الأخرى في مصر مثل الجامعة المصرية اليابانية وخط المترو الرابع الذي سيربط المتحف بوسط القاهرة.