فى زمن يتسارع فيه الإيقاع وتتشتت فيه الانتباهات، يأتى مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا ليكرّس فنًّا مختلفًا فى جوهره وشكله، فنًّا يختزل الحكاية فى ومضة، ويختبر قدرة السينما على الإيحاء والتكثيف دون فقدان العمق. الدورة الثانية، التى تنطلق غدًا- الأحد- بمدن السويس والجلالة والعين السخنة، تؤكد أن المهرجان بات مشروعًا متكاملًا لبناء وعى بصرى جديد، يُعيد للفيلم القصير مكانته كمختبر للتجريب وابتكار اللغة السينمائية، ويفتح نوافذ جديدة للفكر البصرى العربي، إنه ليس احتفالًا بالأفلام القصيرة جدًا فحسب، بل احتفاء بقدرة الإنسان على الحكى والابتكار فى زمن السرعة، ومن هنا تأتى أهميته كمختبر مستقبلى للسينما، حيث تصنع اللقطة الواحدة معنى يتجاوز الزمن والمكان. بحسب تصريحات رئيس المهرجان د.أسامة أبونار، يتبنى VS-FILM فلسفة تقوم على خلق حراك سينمائى تفاعلى بين المحلى والعالمى، فالمهرجان لا يسعى فقط إلى عرض أفلام قصيرة، بل إلى تأسيس لغة سردية موازية قادرة على التعبير عن القضايا الإنسانية فى أقل عدد ممكن من اللقطات، ومن هنا تتجلى أهميته فى كونه مختبرًا للوعى البصرى الجديد، لا مجرد فعالية احتفالية. ويشير المدير التنفيذى زياد باسمير إلى استقبال المهرجان أكثر من 2500 فيلم من فئتى ال5 وال10 دقائق، تم انتقاء 250 فيلمًا منها للمشاركة الرسمية، هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل مؤشر على اتساع رقعة الثقة الدولية فى المهرجان، وقدرته على جذب صناع السينما القصيرة حول العالم. ومن أبرز ملامح الدورة الثانية، تخصيص ورش متخصصة فى صناعة الفيلم القصير جدًا، تستضيفها جامعتا السويس والجلالة، إلى جانب ماستر كلاس فى الإخراج السينمائى العملى مع المخرج أشرف فايق، تستضيفها كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة السويس، بعنوان «رحلة الفيلم من الفكرة إلى دار العرض السينمائى»، هذه المبادرات التعليمية تُحوّل المهرجان إلى مختبر حى لتبادل المعرفة والخبرة السينمائية بين الأجيال، وتؤكد رؤيته فى جعل السينما القصيرة مجالًا للتكوين والتجريب، لا مجرد مساحة للعرض. ويحافظ المهرجان على طابعه الإنسانى والثقافى من خلال تكريم رموز تركت بصمتها فى الفن العربى والعالمي، مثل: أشرف عبد الباقى، حنان مطاوع، هالة صدقى، وعباس ابن العباس رائد الرسوم المتحركة، هذه التكريمات تؤكد أن المهرجان ينظر إلى السينما كجسر بين الأجيال والتجارب، لا كمسافة زمنية تفصل بينها. يمكن القول إن مهرجان VS-FILM فى دورته الثانية يمزج بين الاحترافية والرؤية الثقافية، ويمنح سينما الدقائق القليلة مكانها المستحق كفن يختصر العالم فى لقطة، ويمنح الصورة معناها الأعمق فى زمن السرعة، ويعيد للسينما جوهرها الأول: صناعة الدهشة.