خلف القدم اليسرى للملك رمسيس الثاني، يقف نقش صغير يكاد يمر دون انتباه في المتحف المصري الكبير، لكنه يحمل واحدة من أكثر القصص غموضا في تاريخ الأسرة التاسعة عشرة. والنقش يصوّر الأميرة الملكية "بنت عنات"، ابنة الفرعون الأشهر في تاريخ مصر القديمة، وواحدة من النادرات اللواتي حملن اسمًا غريبًا عن البيئة المصرية. اقرا أيضأ|مصر تفتح أبواب أعظم متحف في العالم أمام كنوز توت عنخ آمون اسمها وحده يفتح بابًا واسعًا من التساؤلات حول علاقات مصر القديمة بجيرانها في كنعان، بل وربما حول أصول العائلة الملكية نفسها. ويحمل اسم "بنت عنات" دلالات لغوية وثقافية غير مألوفة في السياق المصري القديم فكلمة "بنت" هي لفظ سامي–آرامي الأصل، بينما "عنات" هي إلهة كنعانية قديمة ارتبطت بالخصوبة والحرب والحصاد، هذا الدمج بين الجذرين يثير التساؤل: كيف وصلت أميرة مصرية إلى حمل اسم إلهة كنعانية؟ وتشير بعض الدراسات إلى احتمال أن تكون والدة الأميرة، الملكة إيست نوفرت، ذات أصول كنعانية، وهو ما قد يفسّر هذا الاختيار، بينما يرى آخرون أن الاسم جاء انعكاسا لاهتمام رمسيس الثاني بعقائد المشرق القديم، خاصة كنعان، التي كانت ضمن نطاق نفوذه العسكري والسياسي، حيث أبدى إعجابًا خاصًا بالإلهة "عنات"، حتى أنه جعلها جزءا من معابد الدولة الحديثة. يذكر أن الربة عنات كانت تعبد في كنعان إلى جانب أخيها الإله بعل، رب العواصف والمطر، وكلاهما من أبناء الإله الأعلى إيل، الذي يعتقد أنه ذاته الاسم الذي اشتق منه لاحقا في أسماء مثل "إسماعيل" و"إسرائيل"، في بدايات الحقبة الإبراهيمية، وقد استمرت عبادة عنات في مصر حتى العهد الروماني، مما يعكس عمق التبادل الديني والثقافي بين وادي النيل وبلاد الشام القديمة. وفي النهاية، يبقى نقش "بنت عنات" ليس مجرد أثر صغير في المتحف، بل شاهدًا على تداخل الهويات بين حضارتين عظيمتين، وعلى قصة غامضة لأميرة حملت في اسمها صدى الشرق القديم وعبق التاريخ المشترك بين مصر وكنعان.