هبة عادل إسرائيل تدعى أن ما تم عرضه من آثار تم اكتشافه ضمن بعثات الحفريات فى تل أبيب
د. أحمد صدقى: تزييف التاريخ أخطر من التلاعب بأدلة الطب الشرعى.. ويمكن ذلك بإقحام قطع أثرية من حضارة أخرى
أكثر من 680 قطعة أثرية مصرية لدى بنى صهيون؟!
تزامنا مع إسترداد مصر «غطاءين لتابوتين أثريين من العصر الفرعونى كانا لدى إسرائيل. ويثار السؤال ما حجم الآثار المصرية المسروقة لدى إسرائيل؟ ومتى تمت سرقتها ومتى ستتم استعادتها كاملة؟ خلال معرض «فرعون كنعان» الذى أقيم في مارس الماضى بمتحفها بالقدس المحتلة ، حيث يستعرض العلاقة طويلة الأمد بين مصر القديمة و«أرض كنعان»، بما فى ذلك سرد لتفاصيل «قصة الخروج» وهى خروج بنى إسرائيل من مصر فى عهد نبى الله موسى. وقامت إسرائيل بعرض مئات القطع الأثرية النادرة لفترة حكم الملك تحتمس الثالث، من مشغولات ذهبية ومجوهرات، وجعران وقطع الفخار والزجاج والحجر والأسلحة والمرايا ولوحات ونقوش وتماثيل للآلهة والملوك. وتدعى إسرائيل أن أغلب تلك الآثار تم اكتشافها بواسطة هيئة الآثار الإسرائيلية ضمن بعثات الحفريات فى إسرائيل وتم تجميعها من المتاحف الأخرى فى متحف لديها، ليضم المعرض أكثر من 680 قطعة أثرية، وتم عرض مجموعة غنية من القطع الأثرية التى تم العثور عليها - حسبما تدعى - من قبل سلطة الآثارالصهيونية. وعن الغطاءين الأثريين اللذين تم استردادهما أخيرًا من إسرائيل، يقول د. شعبان عبد الجواد مدير إدارة الآثار المستردة، إنه يوجد لمصر العديد من الآثار المصرية فى إسرائيل، وفى الآونة الأخيرة استطعنا استرداد غطاءين لتابوتين من العصر الفرعونى، تمت سرقتهما من مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، وتهريبهما عن طريق تاجر آثار إسرائيلي. وتعد عودة التابوتين، هى المرة الثانية لعودة قطع أثرية من إسرائيل، فقد نجحت مصر فى التسعينيات فى إستعادة القطع الأثرية التى تم التنقيب عنها فى سيناء عن طريق بعثات أثرية إسرائيلية وقت الاحتلال. ويعود زمن التابوتين إلى الحقبة اليونانية والرومانية، وهما مصنوعين من الخشب والكارتوناج الملون عليهما عدد من النقوش والزخارف الملونة.. وتستمر الجهود والتفاوض حالياً في استرداد بعض القطع الأخرى.
اعترافات أورين وهناك قائمة طويلة لا تنتهى من الآثار المصرية التى تم سرقتها، وتهريبها وبيعها لإسرائيل، وقد اعترف أحد أشهر مؤرخيهم الآثاريين ويدعى «أورين» عام 1994 فى أحد مؤلفاته بذلك، كما حدد المواقع التى تمت سرقتها منها مناطق فى سيناء مثل الفاوسيات والقلس وبئر العبد والخروبة وتل المحمديات وقصرويت، إضافة إلى سرابيط الخادم وهى نفس المنطقة التى كان يُنقب فيها موشيه ديان عن الآثار المصرية. وأثناء احتلال إسرائيل سيناء خلال الفترة من 1967 حتى عام 1981 قامت بنقل عشرات ومئات الآثار المصرية. ومن الاتفاقيات التى تنص على عودة كل الآثار التى سُرقت فى فترات الاحتلال إلى أهلها اتفاقية «لاهاى» التى أُبرمت عام 1954، ففى أثناء احتلال إسرائيل لسيناء خلال الفترة من 1967 حتى عام 1981.. قامت بنقل عشرات ومئات الآثار المصرية. وهناك قائمة تحتوى على : «عملات ذهبية للإمبراطور البيزنطى هرقل.. دبوس من الفضة مزخرف برأس كوبرا.. رؤوس سهام فرعونية من البرونز.. كتلة حجرية على أحد وجهَيها منظر يمثّل الملك أمام الإلهة حتحور، وبين الملك وحتحور إناء صلب كبير.. ولوحة الملك تحتمس الثالث أعلاها قرص الشمس المجنح والحية وأسفلها منظرا يمثل الملك مرتديا باروكة الشعر الطويلة ورداء طويلا فضفاضا ويُقدم القرابين للألهة حتحور وهذة اللوحة مصنوعة من الحجر الرملى وتم الإستيلاء عليها من منطقة سرابيط الخادم فى سيناء تعود للأسرة 18،19،20. وجزء من تمثال رملى على هيئة أبو الهول بشكل أسد يظهر جالسًا على الجزء الخلفى، وساقاه الأماميتان عموديتان وينظر إلى الأمام. وتجهيزات حربية خاصة بالعجلة الفرعونية الحربية الشهيرة وهى مصنوعة من الحجر وتم الإستيلاء عليها من منطقة الخروبة. وألواح من المرمر عليها نقوش بالحروف اليونانية وهى مصنوعة من المرمر وتم الإستيلاء عليها من منطقة تل المحمديات وترجع للعصر اليونانى. عدد كبير من العملات مصنوعة من البرونز وتم الاستيلاء عليها من منطقى قصرؤيت وترجع للعصر الرومانى رأس سهم من البرونز مصنوع من البرونز وتم الإستيلاء علية من منطقة الكدوة ويرجع للعصر الالصاوى.. وعدد من المسلات الفرعونية ترجع إلى عصور أسر مختلفة وتوجد حاليا في متحف تديره ابنة موشية دايان. ثم تسبب الغياب الأمنى وعدم تشديد الرقابة على منافذ الدولة فى فترة ثورة 25 يناير 2011، حيث تمت سرقة الكثير من الآثار التى كانت موجودة فى متحف العريش، الذى تم إغلاقه وفتحه فى ظروف غامضة، من خلال مهربين للآثار يقومون بالعبث فى منطقة آثار سيناء وما تحتويه من كنوز.
لماذا أرض كنعان ؟ ويصبح السبب لماذا اختارت إسرائيل اسم «فرعون كنعان» اسما للمعرض؟ قضية هامة يجب مناقشتها والإجابة لها تاريخ طويل يحكيه لنا د. محمد أبو غدير، رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية والأدب العبرى بجامعة الأزهر قائلا: الكنعانيون قبائل عربية، هاجرت من شبه الجزيرة العربية، إلى بلاد الشام وفلسطين، ومنهم الفينيقيون والآراميون والآشوريون والبابليون، والهكسوس. وسكن الآراميون أرض الشام، وسكن الفينيقيون أرض لبنان، وسكن البابليون أرض العراق، ما بين النهرين، وسكن الآشوريون أراضى شمال العراق، وهم أول من سكن أرض فلسطين الحالية، ومدينة بيت المقدس، منذ نحو 3500 عام قبل الميلاد. وعندما اعتلى تحتمس الثالث العرش شن حوالى ستة عشرة حملة على المدن الكنعانية والسورية مبتدئاً بمجدو فى عام 1468 ق.م، حيث قهر أمير قادش واستولى على أرض كنعان برمتها. وحصلت ثورات كثيرة على مصر بعد هذا ولكن تم إخمداها. وخضعت أرض كنعان للحكم المصري، فتركوا للمصريين حمايتهم من الغزاة وشجع ذلك تجارتهم وصناعتهم .حيث سيطرت مصر على أرض كنعان لحوالى أكثر من 300 عام، حيث تركت تلك الحقبة الكثير من الاكتشافات الأثرية المؤثرة جدا والتى تعكس التأثيرات الثقافية من مصر وكنعان » وكان من أهم مزايا حكم مصر لهم هو صناعة الخرف الذي يعد أجمل ما صنع حتى العصر اليوناني، فقد كان الكنعانيون يقومون بصناعة التماثيل للآلهة والأشخاص والحيوانات، وصناعة الحلي والمجوهرات، وهنالك أقراط وخواتم وأساور من الفضة والذهب.ويضيف دكتور أبوغدير، أن المصريين قاموا بتسمية الكنعانيين ب (الهكسوس)، فى الفترة التى حكم فيها الكنعانيون أرض مصر . على عكس ما ذكرت التوراة، وما يحاول بنو إسرائيل إثباته عن أصول الكنعانيين، أنهم من أصول سامية، استقرت تلك الشعوب فى جنوبسورياوفلسطين وفرضوا سيطرتهم التامة عليها، لتعرف على الدوام باسم (بلاد كنعان). فرعون كنعان معرض الآثار «فرعون كنعان.. قصة لم ترو من قبل»، كشف وفضح أمرهم بحصولهم على تلك الثروة لتاريخ بلاد كنعان وفيه إشارة إلى العلاقة بين مصر وكنعان وسرد لتفاصيل «قصة الخروج» خروج بنى إسرائيل من مصر فى عهد نبى الله موسى. وقد أكدت ذلك عالمة الآثار الإسرائيلية المتخصصة فى الآثار المصرية دافنا بن تور، بأن مصر سيطرت على «أرض كنعان» لمئات السنين فى الفترة التى سبقت فترة التسوية ومملكة إسرائيل، فى الألفية الثانية قبل الميلاد. ويحكى معرض فرعون كنعان، قصة الحياة بين كنعان ومصر والانتماءات الجمالية، والطقوس والحياة الثقافية الرائعة التى أدت إلى إثراء الثقافة بين الدولتين القديمتين. ويقول الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ مدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس: فى هذا العهد قام الكنعانيون، بعدة محاولات فى فن النحت نقلاً عن المصريين من جهة، والبابليين من جهة أخرى. فى رأس شمراتل يوجد أثر اكتشفت من خلاله أنقاض المملكة الأوغريتية، فعثر على نصب من الحجر الكلسى المنحوت بشكل (الإله بعل) يظهر فيه واقفاً متجهاً نحو اليمين معتمراً تاجاً بشكل المخروط مزخرفاً بقرنين وشعره منسدل بخصلتين، ويلبس ثوباً قصيراً وعلى جنبه خنجر وبيمناه هراوة ويسراه شعار البرق.
تزييف التاريخ ويوضح الدكتور أحمد صدقى الخبير العمرانى للأماكن التاريخية، طرق تزييف التاريخ عبر التلاعب فى التنقيبات الأثرية، قائلا إذا أردنا تحديد تاريخ منطقة أثرية، فإننا نقوم بعملية تنقيب بما يسمى «ترنش اختبارى» أو موقع حفر استكشافى، عن طريق عمل حفر مستطيلة بعرض 60سم أو أكثر وطول 3 أمتار وكلما زاد العمق، كلما رأينا أغوار التاريخ أو الزمن. وإذا أردنا معرفة تاريخ منطقة أو موقع أثرى، يكون ذلك من خلال عمل حفر وتفريغ بكامل مساحة «الترنش الاختبارى» ويستمر الحفر لحين تغير لون التربة، إذ أن تغير لون التربة دليل على اختلاف الحقبة الزمنية. ومع استخدام مناخل يتم تحليل كل طبقة متجانسة (من لون موحد) وتجميع القطع التى تم اكتشافها وتسجيلها. وتلك المكتشفات تكون أداة الحصول على تاريخ كل حقبة زمنية تم تحديدها من خلال طبقة التربة التى تم استخراجها من الحفرة، فمثلاً قطعة خزفية كاملة أو جزء مكسور من إناء ذى طراز محدد انتشر فى حقبة ما، تساعد فى التحليل والكشف عن العمر الزمنى لها. ومع حظ أفضل يمكن أن نجد قطع نقدية ومسكوكات فإن هذه النتيجة هى أداة أدق لمعرفة لتاريخ تلك الطبقة الزمنية وما تمثلها من طبقة التربة التى تم إخراجها من الحفرة الاستكشافية للتنقيب العلمى الأثرى. أما فى حال الرغبة فى تزييف التاريخ يقول د. صدقى، يتحقق ذلك بمنتهى البساطة حيث يتم إقحام قطع أثرية من منطقة أو حضارة أخرى ومن عهد مختلف من خلال طبقة تنقيب ما، وهذا لإعطاء فكرة مغلوطة وافتعال دليل أثرى مزيف وهذا ما يتم تعريفه بال political archeology أو التنقيب السياسى لا العلمى للتلاعب فى الأدلة العلمية والتنقيبية. ويضيف الدكتور أحمد صدقى الخبير العمرانى للأماكن التاريخية، أن إسرائيل يمكنها التلاعب بأن تنسب الوجود الزمنى لها عن طريق دس قطع أثرية من مواقع أخرى أو حتى من نفس الموقع، على عمق كبير أو على أى عمق من التربة وتسجيلها لتزييف دليل أثرى على وجود مملكة يهودية. والخطورة فى تزييف التاريخ هى أشبه بالتلاعب بأدلة الطب الشرعى مثلاً، وفى حالة التقاضى دولياً أو محاولة إثبات أحقية تاريخية بين شعب أو شعوب بعينها لابد أن يكون مدعومًا بأدلة تم تزييفها خصيصا، وهذا أمر شديد الخطورة حيث الباطل يصبح مدعوم بأدلة مقبولة علميا وبذلك تضيع الحقوق ويتم التلاعب بالعقول.
اللعب بورقة الحقوق وأمام ذلك كله لابد من التركيز على أن إسرائيل تمتلك مهارة فى استخدام اللعب بورقة التاريخ وأقصد بذلك الادعاء بالحقوق التاريخية، والكلام هنا للدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، مضيفا أن هناك الكثير من محاولاتها التى فشلت وتمت تعريتها حول حقوق إسرائيل التاريخية ودورها على مستوى العالم والشرق الأوسط، كما أنهم اهتموا منذ القرن السادس عشر بسرقة الآثار والمخطوطات والتراث للعلماء المسلمين، حيث لعبوا دورا مخربًا ونقلوا كثيرا من مخطوطاتنا المصرية إلى أوروبا ومعروف علمياً أن هذه المخطوطات من التراث العربى والإسلامى أسهمت فى النهضة الأوروبية التى أنارت أوروبا وحولتها إلى مرحلة جديدة فى تاريخها بعد العصور الوسطى المظلمة. كما قام بعض اليهود بمحاولات تزييف التاريخ وهى مسألة باتت معروفة ولكنهم يجيدون استخدامها والغريب فى الأمر أن هناك نوعا من التكاسل من جانب العلماء المصريين والعرب على مواجهة تلك المزاعم اليهودية، ومن هنا فالحديث عن حقوق تاريخية لليهود فى مسألة أرض كنعان تستحق تضافر علماء التاريخ والآثار للرد عليه.
تعليب التاريخ ويؤكد الدكتور شقرة، أن اتجاة اليهود إلى تعليب التاريخ وتسويقة وتزييفه يستخدم لضياع الحقوق التاريخية للفلسطينيين، والدليل على ذلك عندما قام مركز آثار الشرق الأوسط بجامعة عين شمس وإثارة قضية الحقوق التاريخية للمصريين فى إسرائيل من أراض مملوكة لمصريين إلى آثار فرعونية وإلى حقوق نتج عنها استغلال أرض سيناء أثناء احتلالها سنة 1967، قامت الدنيا ولم تقعد فى إسرائيل وهاجمونا هجومًا شديدا، لكن على أية حال مهما حاولوا، لن يستطيعوا تزييف التاريخ ولن نتوقف عن مطالبنا بعودة ما لديهم من آثار سرقوها منا على مدار السنوات السابقة.