محمد الزهيرى يشهد لبنان منذ مطلع العام الجارى واحدة من أكثر المراحل حساسية فى تاريخه السياسى والأمنى، بعد أن أعادت الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل خلال أواخر العام الماضى فتح ملف نزع سلاح الحزب إلى الواجهة، حيث تعالت الأصوات داخليا بالدعوة لإخضاع السلاح لسلطة الدولة، كما توجد ضغوط دولية وإقليمية متزايدة لذلك وهو ما يجعل لبنان يقف حاليا على مفترق طرق قد يحدد ملامح مستقبله السياسى والأمنى للسنوات القادمة. ومنذ صدور قرار مجلس الأمن رقم (1701) لعام 2006، الذى نص على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وقوات (اليونيفيل)، بقيت مسألة سلاح حزب الله موضع جدل دائم، فالحزب احتفظ بترسانة عسكرية ضخمة خارج إطار الجيش، ما جعله قوة موازية للمؤسسات الرسمية، وفى أبريل من العام الجارى، أعلن الرئيس اللبنانى جوزيف عون أن مسار نزع السلاح سيتم «عبر الحوار وليس المواجهة»، مؤكداً أن الدولة «تسعى لتوحيد السلاح تحت رايتها».. ثم لاحقا فى أغسطس من العام نفسه، وافق مجلس الوزراء على خطة مبدئية أعدها الجيش تحت اسم «درع الوطن»، تهدف إلى نقل السيطرة على السلاح تدريجيًا إلى الأجهزة الأمنية الرسمية، بدءًا من الجنوب، على أن تمتد العملية إلى مناطق أخرى خلال عامين. اقرأ أيضًا | لبنان ..دولة على مفترق طرق |أطماع إسرائيل بين الأمن وتصفية الحسابات القديمة من جهته، أعلن حزب الله رفضه القاطع لأى محاولة لنزع سلاحه «تحت ضغط خارجى»، معتبراً أن «المقاومة لا تُسلم سلاحها فى ظل احتلال إسرائيلى مستمر لأراضٍ لبنانية»، كما أصدر الحزب بيانا وصف فيه قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة بأنه «خطيئة كبرى»، مؤكداً أن سلاح الحزب جزء من منظومة الدفاع الوطنى ولا يمكن التخلى عنه إلا بعد ضمان حماية لبنان من أى عدوان، كما حذر قادة الحزب من أن الخطط الحكومية «قد تفتح الباب أمام صدام داخلى»، فى إشارة إلى مخاوف من تكرار سيناريوهات الصدام الأهلى فى البلاد. وفى تطور لاحق، ذكرت «جيروزاليم بوست» أن «حزب الله» سرّع إعادة بناء ترسانته العسكرية وتجنيد مقاتلين خلال الفترة الأخيرة رغم قرار الحكومة اللبنانية، وأشارت الصحيفة إلى أن أنشطته تتركز شمال نهر الليطانى خلافاً لاتفاق وقف إطلاق النار. وأضافت الصحيفة أيضا أن واشنطن خصصت 230 مليون دولار لدعم قوات الأمن اللبنانية، بينها 190 مليوناً للجيش، ضمن جهودها للحد من نفوذ الحزب. ولم يعد ملف نزع سلاح حزب الله شأنا داخليا، بل دخلت أطراف إقليمية ودولية على خط الأزمة، ففى سبتمبر الماضى، قدّم المبعوث الأمريكى باراك خطة متكاملة لنزع السلاح تدريجياً مقابل إدماج حزب الله سياسياً، وضمانات اقتصادية تتضمن مساعدات مباشرة للبنان، كما أعلنت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو استعدادها «لإعادة الانتشار من بعض النقاط الحدودية فى الجنوب، إذا ما تمّ تنفيذ نزع السلاح فعلاً». وفى الأممالمتحدة، قررت المنظمة الدولية إنهاء مهمة قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) فى لبنان بحلول ديسمبر 2026، بعد أكثر من أربعة عقود من الانتشار، فى خطوة فسّرها مراقبون بأنها «دفع للبنان لتحمّل مسئوليته الأمنية كاملة». فى المقابل، حذرت إيران عبر وزارة خارجيتها من «محاولات تفكيك محور المقاومة»، مؤكدة أن «سلاح حزب الله هو ضمانة التوازن فى المنطقة». وتحدث مراقبون عن التحديات التى قد تواجه خطة الحكومة اللبنانية، رغم إعلان الحكومة عن التزامها بقرارها، حيث يرى المحللون أن من ضمن أبرز العقبات هو ان الجيش اللبنانى يعانى من ضعف فى التمويل والتجهيزات، مما يجعل السيطرة الكاملة على الجنوب دون دعم خارجى شىء صعب، بالإضافة إلى ذلك فإن استمرار الغارات الإسرائيلية المتفرقة على مواقع تابعة للحزب، قد يعرقل أى عملية ميدانية لنزع السلاح ويغذى مناخ عدم الثقة. كما أن التوازنات الطائفية والسياسية داخل الحكومة تجعل من الصعب تحقيق إجماع وطنى حول الخطوة، حيث يرفض وزراء من حركة أمل وحزب الله المشاركة فى بعض جلسات مجلس الوزراء، واصفين القرار بأنه «إملاء أمريكى». وخلال الأيام الماضية، تزايدت الاشتباكات المحدودة على الحدود الجنوبية، مع تسجيل غارات إسرائيلية جديدة فى مناطق النبطية وبنت جبيل، ما اعتبره مراقبون رسالة ضغط على بيروت لعدم التراجع عن الخطة، كما صرح المبعوث الأمريكى باراك بأن «الفرصة لا تزال متاحة أمام لبنان لعمل تسوية تاريخية»، ودعا إلى إشراك الحلفاء الإقليميين فى عملية تسليم السلاح للدولة لضمان نجاح العملية. إجمالا، يقف لبنان أمام معادلة معقدة، فإما أن ينجح فى فرض سيادة الدولة على كامل أراضيه من خلال عملية سياسية وتدريجية، أو أن يتحول ملف نزع السلاح إلى شرارة لأزمة داخلية جديدة قد تجر البلاد إلى صراعات معقدة، مع ذلك وحتى هذه اللحظة، لا يبدو أن نزع سلاح حزب الله بات قريبًا، ويضع الدولة اللبنانية فى اختبار حقيقى لإدارة هذا الملف الحساس دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.