العالم كله سارع بإدانة الخطوة الإسرائيلية الاستفزازية الخطيرة التى بدأ فيها «الكنيست» عملية تمرير قوانين مرفوضة وباطلة لضم الضفة الغربية أو أجزاء منها. طوال العامين الماضيين كانت هناك خطوات تمهيدية فى هذا الطريق بإصدار قرارات تشدد القبضة الإسرائيلية فى الضفة، وإجراءات على الأرض للتوسع فى الاستيطان هذه المرة اختارت إسرائيل أن تبدأ محاولتها الفاشلة حتما فى نفس اليوم الذى صدر فيه قرار محكمة العدل الدولية الذى يدين حرب التجويع التى شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطينى فى غزة، والذى يقرر مسئولية الاحتلال الإسرائيلى عن توفير المساعدات الضرورية لأهل غزة ويلزمها بإفساح المجال لمنظمات الأممالمتحدة للعمل هناك رافضا كل المزاعم الإسرائيلية ضد منظمة «الأونروا» بالذات وكأن إسرائيل - باختيارها هذا التوقيت للتلويح بورقة ضم الضفة تقول للعالم إنها لا تبالى بالشرعية الدولية، وأنها مستمرة فى انتهاك القوانين والقرارات الدولية. الأشد غرابة أن إسرائيل بهذا التصرف تغامر بعلاقتها مع الحليف الوحيد الباقى لها حين تتجاهل كل التحذيرات الأمريكية وتتعمد أن يصدر القرار التمهيدى من «الكنيست»، حول ضم الضفة أثناء زيارة مهمة لنائب الرئيس الأمريكى «دى فانس» جاءت أساسا للإعراب عن القلق الأمريكى من محاولات نتنياهو لإفشال اتفاق غزة ولتؤكد للمسئولين الإسرائيليين ضرورة الانتقال للمراحل الثانية من الاتفاق الذى ارتبط باسم ترامب. والنتيجة أزمة استدعت إرسال وزير الخارجية الأمريكى «روبيو»، بصورة عاجلة لمعالجة الموقف بعد أن اختتم نائب الرئيس الأمريكى زيارته لإسرائيل بحديث غاضب قال فيه: إنه أهين شخصيا بصدور قرار الكنيست حول الضفة أثناء زيارته، والذى اعتبره مناورة سياسية غبية من الجانب الإسرائيلى مؤكدا أن أمريكا على موقفها من معارضة مثل هذا الإجراء، وهو ما أكده الرئيس الأمريكى مجددا فى حوار صحفى أكد فيه أن ضم الضفة لإسرائيل لن يحدث، وأن المضى فى هذا الطريق يعنى فقد إسرائيل لأى دعم أمريكي. وبالطبع.. لم يكن أمام نتنياهو إلا التراجع مع محاولات فاشلة لتبرير ما حدث يكذبها الواقع الذى يقول إنه رفض إيقاف محاولة تمرير مشروع القانون رغم التحذيرات التى سمعها من نائب الرئيس الأمريكي، وأن مشروع القانون لم يمر فى أول خطوة بتأييد المعارضين، بل بتأييد نواب التحالف الحاكم، ومن بينهم خمسة وزراء فى حكومته. وبترجيح من رئيس الجلسة الموالى له بعد أن كانت نتيجة التصويت هى التعادل. تراجع نتنياهو لكنه لن يستسلم ولن يتوقف عن زرع كل الألغام لتفجير الاتفاق حول غزة أو لسد الطريق أمام حل الدولتين. والأخطر الآن أنه يدخل معركة جديدة لإثبات أنه مازال صاحب القرار فى الشأن الإسرائيلى وسط اتهامات تتصاعد حتى داخل حزبه بأن سياساته الفاشلة أفقدت إسرائيل حتى هامش المناورة السياسية الذى كانت تتركه لها واشنطن. سيتراجع نتنياهو بالتأكيد، لكنه سيستمر فى محاولاته لإفشال وقف القتال فى غزة، وسيحتاج لجهد أكبر للحفاظ على تحالفاته ولتأكيد سيطرته داخل حزبه الذى يشهد انتخابات تمهيدية فى نوفمبر استعدادا لانتخابات قد تكون مبكرة الوضع شائك، ولكن فى كل الأحوال تبقى الأزمة فى نطاق المسئولين من الجانبين ويبقى التحالف الأمريكى - الإسرائيلى صامدا رغم الخلافات. ويبقى اتفاق غزة فى حاجة إلى تحصينه دوليا بقرار من مجلس الأمن يربط الاتفاق بالقرارات الدولية السابقة بهذا الشأن ويفرض الشرعية الدولية على كل الأطراف وفى كل المراحل. ويبقى أيضا الحفاظ على الحشد الدولي. من أجل إنهاء الحرب وبدء الإعمار وفرض حل الدولتين ويبقى أيضا أن تكون كل فصائل العمل الوطنى الفلسطينى على قدر المسئولية وأن تكون استجابتها للجهد المصرى من أجل موقف فلسطينى موحد ومسئول على قدر التحديات التى تواجهها القضية الفلسطينية والتضحيات التى قدمها شعب فلسطين بصموده الأسطورى على أرض وطن لن يكون أبدا إلا فلسطين.