لم تبدأ حرب استرداد الكرامة بالعبور فى 6 أكتوبر 1973 ومن يظن ذلك فهو غير منصف، لأن حرب أكتوبر1973 سبقتها حرب ممتدة بدأت بإعادة بناء القوات المسلحة فى مهمة شاقة أسندها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لوزير الحربية الفريق أول محمد فوزى والفريق أول عبد المنعم رياض رئيس الأركان الذى نال الشهادة وسط جنوده على الجبهة فى عملية من عمليات حرب الاستنزاف التى أطلق عليها العدو الصهيونى « حرب ال 1000 يوم « لأنها كانت موجعة جداً، تم خلالها بناء حائط الصواريخ الذى قطع اليد الطولى لطيران العدو الذى كان يخترق كل الأجواء المصرية ويضرب فى كل مكان، وعبرت خلالها قوات الصاعقة والقوات الخاصة القناة فى عملياتٍ نوعية أذاقت العدوالمرارة وأثبت له وللعالم أن إرادة المقاتل المصرى لا تُكسر ولا تموت، ومن أهم معارك حرب ال 1000 يوم إغراق القوات المصرية البحرية للمدمرة إيلات ومدمرة أخرى بعد شهور قليلة من هزيمة يونيو 1967، فكانت عملية مجيدة اتخذتها القوات البحرية عيداً لها . وفى إطار احتفالنا بشهر انتصارات أكتوبر 73، نحتفل اليوم مع القوات البحرية بعيدها الثامن والخمسين، الموافق ليوم 21 أكتوبر 67 الذى أغرقت فيه المدمرة إيلات وأغرقت معها غطرسة العدو الصهيونى الذى تعمد القيام باستعراض استفزازى أمام ساحل بورسعيد والدخول فى مياهنا الإقليمية، وكانت القيادة العامة تأمر بتجنب الاشتباك، وبعد أقل من خمسة شهور من النكسة رصدت أجهزة المراقبة مرور وحدات من بحرية العدو فى الفترة من 18 أكتوبر حتى 20 من نفس الشهر، وتم تعزيزالمعلومات فجر 21 أكتوبر ببلاغ من قائد إحدى السفن التجارية المصرية برؤيته لمدمرتين إسرائيليتين من طراز Z البريطانية شمال شرق بورسعيد، وأكد المعلومة تقريرالاستطلاع اليومى الذى اطلع عليه العميد محمود عبد الرحمن فهمى الذى يكشف لنا التفاصيل فى مذكراته «صفحة من التاريخ» التى يقول فيها : - «مرت إحدى المدمرتين على بعد 15 ميلاً بحرياً شمال بورسعيد ثم استدارت متجهة شرقاً، فثرت وغضبت لتلك العربدة فى مياهنا، وذهبت للواء فؤاد زكريا قائد القوات البحرية وطلبت الإذن بضرب المدمرة مؤكداً أننا نملك الإمكانيات لتنفيذ ذلك، فقال: «أنت تعلم أن الأوامر عدم فتح النيران على العدو إلا بإذن «، فطلبت الحصول على الإذن، اتصلت باللواء طلعت حسن على رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وأبلغته بالمدمرة التى دخلت مياهنا الإقليمية، وطلبت الإذن بضربها إذا عاودت الدخول، فقال: لابد من موافقة الفريق أول محمد فوزى، وبعد ساعة أبلغنى بالتصديق بالموافقة على ضرب المدمرة إذا عادت ودخلت مياهنا الإقليمية . اجتمع العميد محمود عبد الرحمن - كما يقول فى مذكراته- مع العقداء محمد على محمد ومحمد عادل هاشم وعلى جاد لتدارس كيفية استدراج مدمرة العدو إلى داخل مياهنا الإقليمية، وتم إرسال إشارة غير مُشفرة باللاسلكى لقائد قاعدة بورسعيد بعدم الاشتباك مع المدمرة الموجودة أمام القاعدة، وابتلع العدو الطعم وشعر بالطمأنينة، وتم إرسال إشارة أخرى للعقيد طلعت نصر بالتليفون الأرضى بألا يلقى بالاً إلى الإشارة اللاسلكية المرسلة سابقاً، وتجهيز لنشين صواريخ من طراز كومر السوفيتية، كل لنش مُجهز بصاروخين سطح / سطح من طراز ستيكس الذى تزن رأسه المدمرة نصف الطن، ووضع باقى القطع البحرية بالقاعدة فى حالة تأهب، وابتلعت المدمرة الطعم وجاءت من شمال شرق بورسعيد، فصدر الأمر بخروج اللنشات لضربها، يبدأ الضرب باللنش رقم واحد فإذا غرقت تعود اللنشات إلى القاعدة، وإذا لم تغرق يتم الضرب باللنش الثانى، وتستعد المدفعية للمساندة إذا تطلب الأمر. انطلق سرب لنشات الصواريخ من القاعدة لتنفيذ المهمة، اللنش الأول 504 بقيادة النقيب أحمد شاكر ومساعده الملازم أول حسن حسنى، واللنش الثانى 501 بقيادة النقيب لطفى جاد الله ومساعده الملازم أول ممدوح مصطفى، وللتضليل اتخذ السرب المسار المُتّبع لخروج مراكب الصيد من الميناء، وبعد دقائق انفصل اللنش 504 وانطلق بسرعته القصوى متخذاً خط سير الإطلاق وأطلق أول صاروخ فأصاب الهدف، وأصاب الصاروخ رقم 2 الهدف أيضاً، وبعد ثوانٍ شوهد وهج شديد أرسل بعده النقيب أحمد شاكر الإشارة التى تقول: « تم الاشتباك مع الهدف وتدميره وإغراقه طبقاً للأوامر - انتهى». وصدرالأمر بأن يظل اللنش 501 فى حالة استعداد تحسباً لظهور الهدف الآخر، ووصل بعدها بلاغ يفيد بظهور هدف آخر مماثل فى نفس الموقع وأصدرت الأمر بانطلاق اللنش الثانى للتعامل مع الهدف وإغراقه، وانطلق اللنش 501 لتنفيذ المهمة، وتم إصابة الهدف بصاروخين وظهر وهج شديد عدة مرات فى ظلام الليل تبعه انفجارات مدوية واقترب اللنش 501 لمسافة خمسة أميال من الهدف وأمكن رؤية الحطام المشتعل وغرق الهدف واختفى من على شاشات الرادار، غرقت المدمرة «إيلات» بطاقمها المكون من 220 فرداً و68 من طلبة السنة النهائية للكلية البحرية الإسرائيلية، وبناء على هذا الانتصار الساحق الذى أذهل العدو ومن يسانده، تم اختيار يوم 21 أكتوبر عيداً للبحرية المصرية التى رفعت الروح المعنوية بين صفوف جميع الأسلحة بهذا العمل الخارق، وها نحن نحتفل بقواتنا البحرية الباسلة فى عيدها ال 58، وكل عام وقواتنا البحرية بخير وازدهار .