وجدت ألبوم صور كلها لى، وجميعها تقول بأننى خالفت ولا مجال للإنكار أو التهرب، وهذه واحدة من أكبر مساوئ التكنولوجيا اللعينة الصور، وآه من حكايات الصور، كلها كلها فى أبسط تعبير لها.. بديعة، أحبها جدًا وأميل دائمًا لمعاودتها دون مبرر فى كل مرة، لكنى أحبها وأحب من فيها ومن التقطها أيضًا، حتى إذا لم أعرفه، ومن منا لا يحب الصور! فى بيوتاتنا القديمة كانت الألبومات ترصع مناضد الصالونات المذهبة وغرف الضيوف، وفى الغرف الصور معلقة على الجدران ومثبتة فى براويز على الموائد وفى الأركان وأعلى الأرفف وقطع الموبيليا، الصور شىء مهم جدًا، فى الخطوبة والأعراس والمصيف وتجمعات العائلات وحفلات التخرج وغيرها وغيرها من المناسبات اللطيفة والأليفة. كانت للصورة رائحة وهيبة وملمس وضحكة ووقار وابتسامة، ورمزية واسعة فى اقتنائها ومعاملتها، يعنى أنك إذا حفظتها فى صندوق وأخفيتها فهى عزيزة جدًا إليك، وإذا علقتها وأظهرتها فهى مبعث فخر واعتزاز، وإذا مزقتها فى ساعة غضب فهى لشخص كان عزيزًا ثم صار عكس ذلك. للصور أيضًا غلاوة كبيرة فى نفوس من يحترفونها ويفهمونها، كأننى أقصد المصورين والصحفيين الذين تلتقط عينهم المشهد قبل تصويره، ويفهمون أين تبدأ اللقطة وأين يتوجب أن تنتهى وفيم لها أن توظف ولماذا الآن وماذا تُظهر، ومن يتحملها ومن لايطيق رؤيتها ولا يحب اللحظة التى التقطت فيها. كانت-الصورة- لها كاميرا بعين سحرية ترى ما لا يراه الآخرون فتنتقى ما يراه قلب المصور نفسه لا ما يريده الذين التفوا للتصوير، المصور وحده يختار ما حان تصويره والاحتفاظ به للتوثيق والطرافة. للكاميرا كذلك بكرة إسطوانية يقال لها فيلم تصوير له عدد محدود جدًا من الصور، 36 صورة فى أقصى تقدير ثم تبدأ فيلمًا جديدًا، وبين تبديل إسطوانة الفيلمين عشرات اللقطات الضائعة، وظلت اللقطات تضيع أحيانًا حتى جاءت التكنولوجيا وصارت الكاميرا رقمية بالكلية، وتسارعت الشركات لإنتاج كاميرات قادرة على التقاط صور فى كسور من الثانية بل إحيانًا أكثر من لقطة فى اللحظة لا الثانية، ثم وصلت الهواتف المدعومة بكاميرات فصار التصوير أسرع وأمهر وأكثر احترافية بمراحل، فلدى الكاميرا قدرات خاصة تستطيع تلافى كل عيوب التصوير والمصور والاضاءة والتعتيم والظل والنور، بل ربما أيضًا تسطع قدرتها الفائقة على تحسين وتلوين المشاهد، وصارت الصور عبئًا على أصحابها، إذ أصبحت مُخزنة على شرائح ذاكرة لا تجد من يشاهدها، واختفت الألبومات من الصالون والجدران، واختفت بكرات اسطوانات الفيلم وأغلقت شركاته خطوط الإنتاج وتحولت لإنتاجات أخرى، وبعض المصانع والعلامات اختفت تمامًا من العالم، واختفى معها كل من لديه شغف الاحتفاظ بصورتك مُعلقة. لكن تعرف من لايزال يحتفظ لك بألبوم صور؟ ادارة المرور!، نعم إدارة المرور فقط هى من لايزال لديها شغف الاحتفاظ بصورك عزيزى قائد المركبة، فبعد ثلاث سنوات هى مدة رخصة السيارة فتحت الموقع الإلكترونى للاستعلام عن مخالفاتى المرورية، وكنت أظنها هينة ذلك أننى لا أحب مخالفة القانون قدر ما أستطيع، لكن الحق أننى وجدت ألبوم صور كهذا الذى كان يوضع على منضدة الصالون فى بيت أبى، كلها لى، وجميعها تقول بأننى خالفت ولا مجال للإنكار أو التهرب، وهذه واحدة من أكبر مساوئ التكنولوجيا اللعينة. وظنًا منى أننى سأستطيع الفكاك من عدسات الكاميرات، أو على الأقل سأتمكن عبثًا من الإنكار والقسم بأننى لم أفعلها وهذا مجرد اختلاط للأمر على عقل الكاميرات وهذا يحدث أحيانًا، أو أننى سأحلف اننى ليس هو وهذه ليست سياراتى، او انها-السيارة- خرجت وحدها فى نزهة فخالفت وأنا غير مسئول عن سلوكها الملتوى، وبأننى سأعاقبها أشد العقاب لما ألقاها. لكن للأسف الألبوم لى وحدى بلا تشابه أو إلتباس، جميعها-المخالفات- فعلتها بنفسى دون إيعاز من أحد أو مشاركة، لكنها والله ليس فيها إصرار أو ترصد، ولله الأمر من قبل ومن بعد. صديقى ظله خفيف جدًا ويقول ما لا يتوجب فى توقيت لايحسبه أبدًا، حاول إقناعى إن هذا قدر المشاهير والنجباء، اذ مهما حاولوا الفرار أو الاختباء من أعين الكاميرات لن يتمكنوا وأننى واحد من هؤلاء، وهذا حظ النجوم والمؤثرين وليس أمامى الآن سوى أن أتوجه إلى إدارة المرور لدفع ثمن شهرتى، وتحمل نفقات ألبوم صورى فى إدارة المرور.