أن الإبداع المصرى إبداع الشباب والشابات فى المقدمة منهم قادرٌ على أن يُفاجئنا دائمًا وأبدًا بكل ما هو جديد هذه رواية من تأليف الكاتبة منى منصور، ولها عنوان آخر: درب التيه والعشق، نشرتها هيئة الكتاب. والمؤلفة تُهدى روايتها إلى روح أمها وتكتُب: - أفتقدك، تؤلمنى غُربة الحياة دونك. ثم تُهدى روايتها للإسكندرية التى لا تُغادرها. وتعترف أنها تخشى أن تخسر رهان كتابتها عنها. ورغم أن الكتاب مكتوب على غلافه أنه رواية، فإن اللغة شعرية عذبة جميلة. ففى المقدمة تكتُب: - إسكندريتى معشوقتى، تلك القيثارة التى استلبت كل حواسى، وامتلكت وجدانى، أردتُ أن أغزل فى عشقها رداءً لا يُبلى. فتبلور ذلك فى الرواية التى تمثل ثلاث فترات تاريخية مختلفة من تاريخ الإنسانية. وتعترف الكاتبة أن الرواية تمثل مرحلة من مراحل مشروعها الأدبى لتحتل شهر زاد مكانًا يليقُ بها. فهى ليست جسدًا شهوانيًا كما وصفها لورانس داريل فى روايته: جوستين، الجزء الأول من رباعية الإسكندرية. فالمرأة هى المعلمة والفيلسوفة والأم. تحفظ الفضيلة وبحيادٍ تام تبوح شهر زاد وتحكى وتعاقر العشق وتتكبد مشقة البُعد والكُره، هى الحياة بكل مجرياتها. فلا يوجد صنفٌ واحد، لا يوجد أبيض أو أسود، ولكن اللون الرمادى هو المتصدر. فالبشر لا يجيدون التمسك بالخط المستقيم، وليس مُقدَّرًا عليهم ذلك لأن الله فتح أبواب التوبة. فى الكتاب كل فصلٍ فيه يبدأ بعبارة قالها كاتبٌ عالمى. فالفصل الأول عنوانه: اللصة شلوميت، تبدأ بعبارة للكاتب العالمى باولو كويللو. تقول: - لو تمنيت بصدقٍ شيئًا ما، فإن العالم كله يتأذر ليحققه. ومن عادة الكاتبة أنها عندما تبدأ فصلاً جديدًا فى روايتها فإنها تُسبقه بعبارة سبق أن قرأتها لكاتب عالمى، وأعجبتها، فقررت أن تبدأ بها فصلها. وإن لم تجد مثل هذه الكلمة فإنها تبدأ ببيتٍ من الشعر مثل الفصل الذى تبدأه للشاعر العربى إيليا أبو ماضى، يقول: - ما جحد الحُب غير جاهله أيجحد الشمس من له بصرُ؟! وقد أعجبتنى الكتابة لدرجة أننى بحثتُ فى آخر الكتاب عن المؤلفات السابقة التى نشرتها الكاتبة، فلم أجد شيئًا. وأعتقد أن لها أعمالًا أخرى سابقة على هذه الرواية التى أعجبتنى وفاجأتنى وجعلتنى أُدرِك أن الواقع الثقافى المصرى ملىء بالمفاجآت الجميلة والمواهب الجيدة. فقط على النُقَّاد أن يبحثوا عن هذه النتاجات، وأن يقدموها لنا حتى لا تتوه وسط كل الأعمال التى تصدر فى مصر الآن. سواء الأدباء من مصر، أو من الوطن العربى الشقيق. من المؤكد أنه من الصعب تلخيص هذا النص لأن كل فصلٍ فيه يوشك أن يكون عملاً مستقلاً قائمًا بذاته. فيه كل ما فى الأدب الجميل من مقومات. ثم تخرج منه لتدخل الفصل الذى بعده فتكتشف إبحارًا جديدًا وواقعًا مُغايرًا. لدرجة أنها فى فصلها الأخير تكتُب: - لن أحتمل المزيد. فهذا يكفى، لن يجعلنى إحساسى بالامتنان لأصحاب البيت أن أُحَمِّلَ قلبى المسكين فوق احتماله، فلأعد للشوارع، لعُرى الطريق، لأبحث عن معشوقى، سأحدثه كعادته دومًا، رائحة اليود ستُرشدنى عنه، رائحة تختلط برائحة اليود، نسائم طيبة، رزاز يتقافز على وجهى، نفسٌ عميق، أتفحص الموج حولى، أتتبع تلك الرائحة، فنجان القهوة لم أرتشف منه إلا القليل، وأنا أقرأ كتابى الذى أوشكت على الانتهاء منه. مدون به جملة أخيرة: - كونى أنتى وليكن الحب والحزن مجرد أشياء. إن هذا العمل أكد لى أن الإبداع المصرى إبداع الشباب والشابات فى المقدمة منهم قادرٌ على أن يُفاجئنا دائمًا وأبدًا بكل ما هو جديد وعظيم وجيد ليبقى النُقَّاد الذين يقدمون هذا النتاج الأدبى الجميل والمفاجئ للقراء والمكتبات التى تُوصِّل هذه الكُتب البديعة لمن يبحثون عنها فى كل مكانٍ فى بر مصر. وكل واحدٍ منا مر بمثل هذه التجربة، تجربة الكتاب الأول وعاشها بتجلياتها وآمالها ومخاوفها. لكن الأمل معقودٌ على النُقَّاد يفرزون لنا الجيد من الردىء. فالشباب من حقهم أن يختلفوا عنا فى كل شىء. إننى أكتُب عن المناخ الأدبى السائد فى بر مصر الآن، وهو مناخ جيد ولا بأس به. وإن كان لابد أن يلعب دوره فى البحث عن هذه المواهب الجديدة ويُقدمها لنا وللقراء فى كل مدن مصر وقراها وعزبها وكفورها حتى تتم العملية الإبداعية. إن مصر لن تعرف العُقم أبدًا.