اكتفي الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد في حديثه عمن أثروا في حياته وإبداعاته بالحديث عن المصريين والعرب من الكتاب، أكثرهم رحل عنا ففي الحديث نوع من الوفاء ظهر جليا في وصف الروائي الكبير لتفاصيل دقيقة مازالت عالقة في ذاكرته رغم بعد السنين. قال إن الحديث عن الأجانب يحتاج إلي أحاديث طويلة فلاسفة وكتابا، وبالطبع لم يتحدث عن المدن والصحاري والبلاد فهي في رواياته دائما. ومن واحد إلي عشرة أدلي ابراهيم عبد المجيد بشهادته. محمد مندور غير حياتي كنت أعرف عنه أنه ناقد كبير لكني لم أكن قرأت له أي شيء. كنت في الثامنة عشرة من عمري. أكتب القصة والرواية كل يوم متصورا أن ما أكتبه مهم . لم يكن يزيد عن فرحي بموهبتي. كانت أغلب قراءاتي روايات وشعرا، حتي حضرت له ندوة في قصر ثقافة الحرية عام 1964 وكان معه فيها زوجته الشاعرة الرائعة ملك عبد العزيز. أدركت أنا أن الكتابة ليست مجرد كتابة لكن لابد من الإلمام بتاريخ الأدب ومذاهبه وتياراته النقدية، تغيرت حياتي في القراءة وفي الكتابة. أنيس منصور البساطة الرائعة أيضا لم أقابله رغم أني تركت الإسكندرية إلي القاهرة في أواسط السبعينات. لكني أعترف بأني كنت من المغرمين بقراءته أيام الصبا والشباب الأول. في لغته بساطة رائعة ومن كتبه تعرف الكثير عن أدباء العالم كنت أبحث عنهم لأقرأهم. وفي حديث إذاعي له قال أنه يحب أن يستمع إلي البرنامج الموسيقي أكثر من أي شيء آخر فلفت نظري وبحثت عن البرنامج الموسيقي فتغيرت الدنيا حولي وكتبت كل أعمالي وأنا أستمع إليه ولم يتغير مؤشر الراديو أبدا علي طول السنين. طه حسين المعلم الأكبر المعلم الأكبر الذي منه توغلت في التراجيديا اليونانية ومن كتبه عرفت الوجودية وكتابها ومنه عرفت تاريخ الإسلام الحقيقي وكنت أقرأه باستمتاع عظيم ورأيته وحده هرما لايقل عن أهرامات الفراعنة. د. حسين فوزي الطعام الشعبي طبيب العيون والكاتب دارس الموسيقي الكلاسيكية الأعظم.الذين جعلني أعشق الموسيقي الكلاسيكية وأواظب علي الاستماع إليه مساء الجمعة في البرنامج الثاني – الثقافي الآن – وهو يشرح السيمفونيات والكونشيرتات والسوناتات. كانت لغته وطريقته مثل طعام شعبي في ليلة جميلة في السيدة زينب. وحين قرأت كتابه الرائع سندباد مصري أدركت أن مصر للمصريين.لاقومية ولا إسلامية. القومية منهج سياسي وليست هوية والإسلامية دين وليست هوية. وكم أتمني أن يدرس هذا الكتاب بالمدارس الثانوية. لبني عبد العزيز الوسادة الخالية كنت في الحادية عشرة من عمري حين شاهدت الوسادة الخالية للبني عبد العزيز. كان مشهد نزولها من البيت ومشيها في شارع «السبق» بمصر الجديدة جوار عبد الحليم صامتة حتي يمد يده يمسك بيدها ويمشيان معا مشهدا. لم أكن أعرف أني سأحب الكتابة الأدبية وستكون القاهرة مصيري. وفعلت ذلك مع فتاة. مشينا في شارع السبق ودخلنا حدائق الميريلاند. كانت قصة حب حقيقية من طرفي انتهت بالفراق. وبعد سنين طويلة عادت القصة لتظهر في روايتي «هنا القاهرة». غفرت فيها لمن هجرتني. الإبداع لا يعرف الكراهية وليس طريقا للانتقام. د. علي الراعي أهم النقاد كنت دائما خجولا أمام الكتاب الكبار. قرات أعمال الدكتور علي الراعي مبكرا وعرفت رحلة حياته في مصر وخارجها وكنت ولازلت أعتبره من أهم نقاد المسرح والأدب. وحين بدأ يكتب في مجلة المصور مقالاته الأسبوعية فوجئت به يكتب مقالا رائعا عن روايتي القصيرة «ليلة العشق والدم» عام 1982. ذهبت إليه في بيته. كنت أريد أن أسمع لا أن أتكلم. وفي نهاية حديثه قال لي يا إبراهيم أنا لا اكتب عن أي عمل سيئ. أنا أكتب فقط عن الأعمال الجيدة وأشعر أن من واجبي رد الجميل للكاتب الذي أمتعني. محمود درويش شاعر المقاومة كانت أول مرة أعرف فيها محمود درويش بعد هزيمة 1967.لم تكن معرفة شخصية لكن من خلال الكتاب الرائع الذي كتبه العظيم رجاء النقاش عنه وعن سميح القاسم شعراء المقاومة. مرت السنون ولم أقابله طبعا حتي عام 1984 حين جاء إلي القاهرة أول مرة بعد القطيعة مع مصر. قلت له أريد أن أنشر رواية في مجلة الكرمل. كان هو رئيس التحرير قلت له أنها رواية قصيرة اسمها «الصياد واليمام».. قال لي بالضبط أنا حيوان قراءة. ساقرأها في الطائرة إذا أعجبتني سأنشرها. وكان ذلك دخولا كبيرا لي إلي العالم العربي. رجاء النقاش الفكر الجديد أيضا رأيت رجاء النقاش أول مرة في ندوة بقصر ثقافة الحرية بعد هزيمة 1967. كان شابا صغيرا وسيما. كنت أقرأ له مقالاته وكتبه. أراه ناقدا سهل قراءته والفهم منه. يفسر لك العمل ويحلله لغة وفكرا .. قبل وفاته بأسابيع. قابلته في سوبر ماركت. رأيت رجلا شاحبا ينظر لي. قال « ازيك يا ابراهيم !. وقبل أن أسأله ماذا جري يا أستاذي ردد جملة « قال لي إذا رأيت النار فقع فيها فإنك ان هربت منها ادركتك قتلتك « كانت عبارة للنفري صدّرت بها أحد فصول روايتي لا أحد ينام في الإسكندرية. د. عبد المعز نصر لقب مستنير كان عميد كلية الآداب ذلك الوقت ويدرس لنا مادة السياسة. كان رجلا فكها لا نكف عن الضحك في محاضرته لأنه كان يسأل السؤال ومن يجيب عليه يمنحه لقب «مستنير» فنضحك. في السنة الأولي قال لنا ماجعلته طريقا لي. قال أنه سيقرر علينا كتابا واحدا به ثمانية فصول. وسيأتي في الامتحان بثمانية أسئلة. سؤال علي كل فصل. ويطلب الإجابة علي سؤالين. من يريد أن ينجح فقط ويعمل في الجمعية التعاونية يذاكر فصلين. من يريد ان ينجح ليعمل مهنة تعليمية يذاكر الثمانية فصول. من يريد أن يكون أفضل منه لا يقرأ الكتاب. نجيب محفوظ مسك الختام أخرتك ياسيدي فلا تلمني. مسك الختام أنت كما كنت جمال البداية. بدأت قراءته وأنا في المرحلة الإعدادية. في الثانوية اندفعت لقراءته أكثر.جعل القاهرة تعيش معي ليل نهار، وشخصيات رواياته أحلاما لي. كنت أري الأفلام المأخوذة عن رواياته فأري الشخصيات والأحداث كما قرأتها رغم أنها لم تكن كذلك. في حوار أجراه معه يوسف القعيد بالمصور بعد ذلك سأله هل قرأت عملا وأكملته منذ إصابتك عام 1988 ؟ قال له لم أقرأ عملا وأتمه غير لا أحد ينام في الاسكندرية.