كل شيء من أوروبا إلى أمريكا ومن آسيا إلى إفريقيا لم يبق على حالته التى كان عليها منذ حرب يوم عيد الغفران أسوأ ظواهر هذا العام ما لمحته عبر صفحات التواصل الاجتماعى من بعض بنى وطننا وجلدتنا وقوميتنا خارج الحدود وهم ينشبون أظفار الحقد فى حقيقة انتصار السادس من أكتوبر73، يرسلون عبر تلك الأظفار القذرة جراثيم مؤذية للشعور الوطنى تشكك فى حقيقة الانتصار ويتبنون فرية إسرائيلية حاول بها الكيان المهزوم غسل عار هزيمته أمام شراذم مواطنيه من شذاذ الآفاق. فما بال أولئك القابعين فى تركيا أو غيرها يرددون نفس الأسطوانة الصهيونية البذيئة الكاذبة؟ وهل هناك اتفاق بين توجههم هذا وبين ما أذيع عن ميزانيات صهيونية عبر صانعى المحتوى عالميا لغسيل وجه الكيان المحتل القبيح بعد أن تمرمغت سمعتهم وتبين العالم حقيقة عنصريتهم ونازيتهم؟ الغريب أن بعضهم يحاول انتحال صفة المؤرخ ليصبغ أحقاده ببعض من المصداقية وكأنه يصحح للناس أوهاما درجوا عليها ليقول لهم إن أكتوبر كان بداية نصر انتهى بهزيمة، وهو يخاطب إما ناقمين مثله أو ناشئين لم يدركوا الحدث فى وقته وحينه، وهو ما يلقى بمسئولية كبرى على جهات الإعلام والتعليم والتثقيف أن تواصل التذكير بحجم ما كان من انتصار قلب موازين الحروب والتحضير لها والخداع قبلها والتغلب على عوائق ظلت تحمل شكل الأسطورة. ولعلنا فى غير حاجة للاستشهاد بما فعله جيش مصر وقيادته العسكرية والسياسية، فى غير حاجة للرد على هؤلاء الحاقدين الذين صاروا ككيد الحقود يأكل صاحبه؛ ذلك أن الفضل ما شهدت به الأعداء، وهم دون شك تكون شهادتهم أعدل من «الأعدقاء».. ولو ألقينا نظرة على بعض ما قاله الإسرائيليون كمحللين أو سياسيين لأدركنا ما فعله الجيش المصرى بالجيش الإسرائيلى بل بإسرائيل نفسها، ولنستعرض معا بعض تلك الأقوال: يقول الكاتب جان كلود جيبوه فى كتابه «الأيام المؤلمة فى إسرائيل»: (هل كان يتصور أنور السادات وهو يطلق فى الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس أنه أطلق قوة عاتية رهيبة من شأنها أن تغير هذا العالم؟ إن كل شيء من أوروبا إلى أمريكا ومن آسيا إلى إفريقيا لم يبق على حالته التى كان عليها منذ حرب يوم عيد الغفران. إن هذا الانقلاب المروع فيما يتعلق بإسرائيل قد اتخذ شكل الزلزال المدمر، ذلك أن الحرب التى عصفت بها كانت قاسية عليها فى ميادين القتال ثم كانت أشد من ذلك دمارا على الناس هناك فقد شهدوا مصرع حلم كبير تهاوى ورأوا بعد ذلك صورة مهينة من إسرائيل وهى تزول إلى الأبد). أما موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى الذى أشبع العرب سخرية واستهزاء بعد هزيمة يونيو 67 فقال: «إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل وإن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها، وأدى كل ذلك إلى تغير عقلية القادة الإسرائيليين». أما ديفيد بن جوريون أحد مؤسسى إسرائيل وأول رئيس وزراء لها والذى توفى صباح اليوم الأول من ديسمبر 1973فى مستشفى تيد هاشومير بالقرب من تل أبيب فلم يقل شيئا قبل أن يموت غير جملة واحدة: (لقد رأيت على يد أنور السادات كل شىء يوجع!.. لقد كان رسول الانتقام الذى أرسله القدر لنا..). ترى: هل نحن فى حاجة لمزيد من أقوالهم أكثر من سيادة مصر على كل ترابها الوطنى بالسلام بعد الانتصار فى الحرب؟ ألا يكفينا جميعا أن تكون أرض سيناء بكامل سيطرة وسيادة مصر عليها هى مقر اجتماع قادة العالم فى شرم الشيخ لتوقيع قرار وقف الحرب فى غزة؟ نعم، يكفينا ونوقن فى حقيقة النصر على الكيان الغاصب وإذاقته مرارة الهزيمة بجرعة شديدة الألم والمرارة، لكنه لا يكفى أولئك الحاقدين الذين يبدو أنه لن يشفى غليلهم أى انتصار لا يروق لعقولهم المريضة وأحلامهم المهيضة.