في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام، يحتفي العالم ب اليوم العالمي للعصا البيضاء، رمز الاستقلال والكرامة للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، هذا اليوم لا يهدف إلى التوعية بحقوق المكفوفين فحسب، بل لتذكير المجتمعات بأن فقدان البصر لا يعني فقدان البصيرة، وأن الإرادة والعزيمة يمكن أن تفتح أبواب النجاح في وجه كل التحديات. من بين ملايين المكفوفين حول العالم، وُلدت قصص نجاح مدهشة لأشخاص تحدّوا الظلام وصنعوا نورهم الخاص، فغدوا رموزًا في الفن والعلم والتكنولوجيا والتعليم. أولًا: قصة الكفيفة التي عزفت بأنامل الضوء – هيلين كيلر (الولاياتالمتحدةالأمريكية) تُعد هيلين كيلر من أبرز رموز المكفوفين في التاريخ الحديث. فقدت بصرها وسمعها في عمر سنة ونصف بعد إصابتها بمرض خطير، لكنها لم تستسلم للظلام. بمساعدة معلمتها آن سوليفان، تعلّمت اللغة من خلال اللمس، وتمكّنت من قراءة الكتب بطريقة برايل، حتى أصبحت أول كفيفة صماء تنال شهادة جامعية. هيلين كيلر: حكاية المرأة التي لم تعرف المستحيل.. ألّفت كيلر كتبًا ومقالات عديدة ألهمت الملايين، وأصبحت ناشطة في الدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، لتثبت أن فقدان الحواس لا يعني فقدان الأمل أو القدرة على التأثير في العالم. ثانيًا: الفنان الذي رسم بالألوان التي لم يرها – عصمت داوستاشي (مصر) الفنان المصري عصمت داوستاشي كان نموذجًا للإبداع رغم فقدانه البصر في سنواته الأخيرة. وُلد عاشقًا للفن والألوان، وعندما فقد بصره، لم يتوقف عن الرسم، بل استمر في الإبداع مستخدمًا ذاكرته اللونية وحسّه المرهف. كان يقول دائمًا: "أرسم بالروح لا بالعين، لأن الجمال لا يُرى فقط، بل يُشعر به." لوحاته اليوم تُعرض في معارض عالمية، شاهدةً على أن الإبداع الحقيقي لا تحدّه الإعاقة. ثالثًا: نور في الظلام.. خنساء وخلود تتحدّيان الإعاقة لتصنعا الأمل بينما يرى البعض في فقدان البصر نهاية الطريق، رأت خنساء ماريا وخلود أبو شريدة فيه بداية لحياة استثنائية مليئة بالإصرار والإنجاز. من باكستان إلى قطر، ومن التحديات الشخصية إلى المنابر الأكاديمية، سطّرتا قصتين ملهمتين تثبتان أن الإعاقة لا تحدّ من الطموح، بل تُنير طريق الإرادة. وُلدت خنساء ماريا كفيفة في باكستان، وتخلّى عنها والدها لاعتقاده بأنها لن تنجح في الحياة. لكن والدتها آمنت بها، وأصرّت على إلحاقها بمدارس عامة رغم رفض الكثيرين. اجتازت خنساء الصعاب، وتفوّقت في اختبارات كامبريدج، لتتابع دراستها لاحقًا في جامعة جورجتاون في قطر، حيث حققت نجاحات كبيرة في المناظرات والأبحاث والتدريب المهني، وأصبحت صوتًا مدافعًا عن حقوق ذوي الإعاقة في المجتمع وسوق العمل. أما خلود أبو شريدة، فتنحدر من البحرين، وُلدت كفيفة وسط عشرة أشقاء، ثلاثة منهم يعانون من الحالة نفسها. درست في جامعة حمد بن خليفة وحصلت على الماجستير في دراسات الترجمة، واستلهمت تجربتها لتكتب الشعر والقصص، وتسعى اليوم لنيل الدكتوراه في الكتابة الإبداعية. تعمل خلود على إنتاج فيلم رسوم متحركة عن أميرة كفيفة، لتُبرز صورة الجمال والقوة في ذوي الإعاقة. تُجمع خنساء وخلود على أن تجربتهما في المدينة التعليمية بمؤسسة قطر منحتْهما بيئة داعمة وشعورًا بالانتماء، ومكّنتهما من تحويل التحدي إلى مصدر إبداع وتأثير. قصتاهما ليستا فقط عن النجاح الأكاديمي، بل عن كسر الصور النمطية، وإثبات أن البصيرة الحقيقية تكمن في الإيمان بالنفس لا في النظر بالعين. إنّ اليوم العالمي للعصا البيضاء ليس مجرّد مناسبة رمزية، بل هو احتفاء بالقوة البشرية الكامنة في داخل كل إنسان. فالمكفوفون لا يعيشون في ظلامٍ حقيقي، لأن في قلوبهم ضوءًا لا يُطفأ. قصصهم تذكّرنا بأن البصر نعمة، لكن البصيرة هي المعجزة، وبأن الإرادة قادرة على صنع الطريق مهما غاب النور عن العيون.