النصر لم يأتِ صدفة، بل كان حصيلة سنوات من العمل المضني والتخطيط الدقيق، وجهد تدريب لا يقل فى شدته عن القتال الفعلي. ومن بين الأبطال الذين عايشوا هذه المرحلة العميد ثروت زكى، قائد فصيلة مشاة في حرب أكتوبر، الذى فتح قلبه ل «أخبار اليوم» وروى تفاصيل رحلته من الهزيمة إلى النصر، ومن التدريب القاسى إلى معارك الشرف. يقول العميد ثروت زكي: السنوات التى سبقت أكتوبر كانت مرحلة إعداد غير مسبوقة، والقوات المسلحة بذلت في التدريب أضعاف ما واجهناه فى الحرب. كنا نتدرب ليلًا ونهارًا، نكرر محاكاة العبور واقتحام الحصون الإسرائيلية عشرات المرات. لم يكن مقبولًا أن يدخل الجندى الحرب من دون أن يحفظ مهمته عن ظهر قلب. لذلك حين جاء وقت العبور شعرنا وكأننا ننفذ ما تدربنا عليه مئات المرات، لا مهمة جديدة أو مستحيلة. ويضيف أن عنصر الإرادة كان حاضرًا فى كل لحظة، وأن الأسلحة والعتاد مهمة، لكن سلاح الإرادة أقوى. لو لم يكن هناك إصرار على النصر لما تحقق شىء، مهما بلغ التدريب أو التخطيط. وعن دور حرب الاستنزاف، يقول العميد ثروت زكى: البعض يظن أن جيشنا لم يقاتل بين 1967 و1973، والحقيقة أن حرب الاستنزاف كانت أخطر مراحل الإعداد. خضنا خلالها مواجهات عنيفة أرهقت العدو وكشفت خططه، وأعطتنا الثقة بأننا قادرون على هزيمته. كانت الاستنزاف بمثابة المدرسة التى خرج منها جيل أكتوبر. ◄ اقرأ أيضًا | ويشير إلى أن هذه الحرب أكسبت الجندى المصرى مهارات ميدانية لا تُدرّس فى الكتب العسكرية، وإنما تصنعها المواجهات المباشرة مع العدو. وعن معركة تبة الشجرة الشهيرة، يستعيد العميد زكى المشهد وكأنه أمامه الآن، قائلًا: كنت ملازمًا شابًا حين صدر الأمر بالهجوم على الحصن الإسرائيلى المعروف بتبة الشجرة. المعركة استمرت سبع ساعات متواصلة، واجهنا خلالها دبابات ومدفعية ونيرانًا كثيفة. فى لحظة حاسمة، قفز مقاتلو المشاة المصريون فوق دبابات العدو نفسها، وتمكنا من تدمير إحداها بالكامل. أصيب الإسرائيليون بالذعر، واضطروا للانسحاب تاركين المركز بكل ما فيه.. ويتابع: الاستيلاء على تبة الشجرة كان نقطة تحول كبيرة، لأنه حرم العدو من مركز قيادة مهم شرق القناة، وأثبت أن المصريين لا يعرفون المستحيل. في ختام حديثه، وجه العميد ثروت زكى رسالة للشباب، قائلًا: نصر أكتوبر علمنا أن النجاح لا يأتى بالصدفة، وإنما بالصبر والإعداد والتخطيط. هذا درس يصلح للحياة كلها، سواء فى المجال العسكرى أو المدنى. يجب أن نضع أهدافًا واضحة، ونصبر ونجاهد حتى نصل إليها. ما فعله جيلى كان ثمرة جهد وتضحية وإيمان بالله، وعلى الأجيال الجديدة أن تستلهم هذا الدرس دائمًا. فالنصر لم يكن مجرد حدث عسكرى، بل كان نقطة تحول فى تاريخ أمة أثبتت أن إرادتها قادرة على تحدى المستحيل وصناعة المجد.