حلم التخسيس يراود الجميع، ليس فقط من أجل التمتع بجسم مثالى يتماشى مع معايير الجمال، وإنما أيضًا من أجل الحفاظ على الصحة والوقاية من أمراض خطيرة ترتبط بالسمنة مثل السكرى وأمراض القلب، ومع ارتفاع أسعار المراكز الطبية المتخصصة، يقع البعض فى فخ اللجوء إلى طرق تبدو زهيدة الثمن وسهلة التنفيذ، ما بين أعشاب مجهولة المصدر، أو كبسولات تُباع عبر الإنترنت، أو حقن لإذابة الدهون، بل وحتى عمليات تكميم وتحويل مسار أصبحت تُعرض فى مراكز غير مؤهلة. د. خالد جودت: 95% من جراحات السمنة مجرد «سبوبة» مراكز غير مرخصة ومنتجات غير معتمدة تسبب أمراضًا خطيرة هذه الوسائل، التى يروج لها باعتبارها حلولًا سحرية، قد تتحول إلى كارثة صحية تهدد حياة المرضى، خاصة الأطفال والمراهقين الذين أصبحوا هدفًا لتلك الممارسات، وفى ظل ضعف الوعى وغياب الرقابة الكافية، يتزايد عدد الضحايا بين مضاعفات جسدية خطيرة وخسائر مادية ونفسية. وفى هذا التحقيق، تناقش «الأخبار» الظاهرة من كافة جوانبها، بدءًا من أساليب الخداع وأسواق الوهم، وصولًا إلى الرأى الطبى والرقابى، للبحث عن الحقيقة وحماية حق المريض فى علاج آمن وموثوق. يتحدث د. إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة والسياسات الصحية بجامعة المستقبل، عن أن نسبة السمنة فى مصر بين البالغين وفقًا لإحصائيات عام 2019 كانت فى حدود 40%، وتعد هذه النسبة أعلى من مسح المنازل الذى تم فى 2017 بنسبة 36%، وكانت فى 2014 بنسبة 31%. وهذا يدل على أننا نسير فى اتجاه تصاعدى مضاعف، وإذا عدنا للخلف 30 عامًا فكانت النسبة أقل من 20%، كما تعد نسبة إصابة السيدات بالسمنة 50% والرجال 26%، بينما الأطفال أقل من 5 سنوات يعانون من نسبة زيادة فى الوزن تصل 15%، وأطفال المدارس حتى 17 عامًا فى حدود 18%. ولا شك أن هذه الأرقام مرتفعة جدًا، مما يجعل مصر من أعلى المعدلات بين دول العالم فى انتشار السمنة وتحتل المرتبة رقم 12 على مستوى العالم. وفى الشرق الأوسط، تأتى مصر والكويت وقطر كأعلى 3 دول فى معدلات السمنة، وتحتل مصر المرتبة الأولى بينهم بعدد أفراد يقرب إلى 22 مليون شخص وفقا لأحدث الإحصائيات خلال العامين الماضيين. 120 عيادة متخصصة وينوه إلى أنه بعد ما تم تصنيف السمنة كمرض، قامت وزارة الصحة والسكان بتخصيص 120 عيادة متخصصة فى علاج السمنة فى وحدات الرعاية الصحية بمختلف المحافظات، والتى بدأت عملها العام الحالى، فضلا عن العيادات الخاصة الكثيرة، ومنها الحاصلة على الترخيص ومنها غير المرخصة. أرقام صادمة وقد قامت هيئة الدواء المصرية بحملات رقابية، ووجدت 250 موقعًا غير مرخص فى منتجات التخسيس، وضبطت ما يقرب من 300 مليون من الأدوية والمستلزمات المغشوشة، فيما تعد وزارة الصحة هى المنوطة بإغلاق المراكز، وحاليا يتم حصرها وإغلاق غير المرخص منها. أرقام ضخمة أما عن حجم منتجات التخسيس فى مصر فالأرقام ضخمة جدًا، حيث تقدر إيرادات منتجات التخسيس والحمية والجراحات بحوالى 475 مليون دولار، أى ما يقرب من 15 مليار جنيه مصرى فقط فى عام 2025. وعلى ذلك يمكن القول بأنه خلال حملة تفتيشية واحدة تم ضبط مستلزمات مغشوشة بحوالى ربع مليار جنيه، ومن الأرقام المهمة أيضا أنه فى عام 2023 أغلقت هيئة الدواء 700 مؤسسة صيدلانية بها مشاكل فى هذه الأدوية، وأغلبها كانت خاصة بمنتجات التخسيس. ويشير عنان إلى أن الدواء المسجل رسميًا للتخسيس فى مصر لا يتعدى 3 أنواع فقط، اثنان منها حقن تحت إشراف طبيب، ونوع واحد كبسولات، أما أى منتجات أخرى فهى تعتبر مكملات غذائية وليست أدوية للتخسيس، فضلًا عن أن غالبية ما يوجد فى السوق أنواع مقلدة أو مهربة أو أعشاب مجهولة المصدر. وبالأرقام، فإن 10% من كل أدوية التخسيس فى الدول النامية مغشوشة، وقد تكون النسبة أعلى بكثير، مما يمثل أضرارًا كبيرة على الصحة وخاصة على القلب والكلى والكبد، بالإضافة إلى الاضطرابات الهرمونية وما تسببه من أرق وعصبية، وقد يصل الأمر إلى حد الإدمان. مخالفة الضوابط ومن ناحية آخرى، تحولت بعض العمليات الجراحية الخاصة بفقدان الوزن الزائد إلى «سبوبة» تدر أرباحًا، بعيدًا عن الضوابط الطبية والرقابية اللازمة، وقد أثارت واقعة خضوع طفلة لم تتجاوز التاسعة من عمرها لعملية تكميم جدلًا واسعًا، ويعلق د. خالد جودت، أستاذ جراحة السمنة بكلية الطب جامعة عين شمس، ورئيس الاتحاد العالمى لجراحات السمنة المفرطة، إن أكثر من 95% من جراحات السمنة تتم بأسس تجارية وليس علمية، حيث تحدث مشاكل عديدة للمرضى وتُجرى بطرق غير سليمة مما ينتج عنها العديد من المضاعفات الصحية. تكميم الأطفال وعن عمليات الأطفال، يؤكد جودت أنه بدأ بالفعل فى جراحات السمنة لكن فى الظروف الضرورية جدًا، ويمكن تنفيذها من عمر 9 سنوات إذا كان الطفل قد فقد القدرة على الحركة بسبب السمنة أو إذا كان يعانى من مشاكل صحية خطيرة، ولكن فى نفس الوقت لابد أن يعى الطفل طبيعة العملية، فأول أسبوعين سوائل فقط ثم أطعمة بسيطة محددة لمدة شهور، ثم زيادة الأكل تدريجيًا مع التركيز والمضغ الجيد. فالموضوع ليس بسيطًا حتى لا يشعر الطفل بالعذاب. وإذا كان لابد من إجراء العملية، يجب أن يكون هناك فريق طبى متكامل يشمل أطباء الأمراض النفسية وطب الأطفال والتغذية مع الجراح، ولابد أن يتابع الفريق الطفل باستمرار ليتأكد أن الشفاء سيتم بطريقة جيدة. هذا فضلًا عن أن من حق الطفل رفض إجراء العملية، وعلى الأهل أن يكونوا على وعى بأنهم المسئولون عن الاختيار، لذا يجب اختيار عملية يمكن إلغاؤها فى المستقبل، لأن هناك العديد من الجراحات لا يمكن إلغاؤها ومنها التكميم، حيث يتم فيها قص المعدة واستئصال جزء منها. ويجب العلم بأن مخاطر ومضاعفات العملية التى تنطبق على الكبير تنطبق أيضًا على الصغير مثل التسريب والنزيف، ويزيد عليها أن الطفل إذا لم يكن مستوعبًا طبيعة العملية وتناول الطعام فى أول يوم بعد الجراحة قد يحدث تسريب يسبب مشكلة كبيرة جدًا ومضاعفات خطيرة. لذلك لا يجوز تحت أى ظرف إجراء هذه العملية فى المراكز التجارية التى تهدف للربح فقط دون النظر لمصلحة الطفل. فوضى العيادات وفى هذا السياق، يتحدث محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، عن أنه أصبح هناك فوضى كبيرة فى مجال التخسيس، حيث تقوم بعض الكليات بتنفيذ ما يُعرف بدورات التغذية ومنح شهادات للملتحقين بها، دون أن تكون هذه الدورات معتمدة من أى جهة علمية أو جامعات رسمية، وإنما هى مجرد برامج تدريبية داخلية لهذه الكليات. مشيرا إلى أن الطبيب فقط هو المسؤول عن التغذية، لأنه الأقدر على معرفة طبيعة الجسم، وتحديد احتياجاته من الفيتامينات، وكذلك كميات الطعام والشراب المناسبة لكل حالة. أما ما يحدث حاليًا، فهو انتشار واسع لأشخاص يطلقون على أنفسهم لقب «خبير تغذية». ولفت إلى أنه علميًا لا يوجد مسمى وظيفى يُعرف ب«خبير تغذية»، وإنما يوجد «أخصائى تغذية»، وهو من يحصل على بكالوريوس الطب من إحدى الجامعات المصرية ويتخصص فى مجال التغذية العلاجية. وأعرب عن أسفه من سهولة استئجار شقق وفتح عيادات وهمية، حتى يتم اكتشاف أن المركز غير مرخص، أو أن القائمين عليه ينتحلون صفات غير حقيقية، فضلًا عن تداول أدوية مجهولة المصدر تم حظرها لاحتوائها على مواد ممنوعة تؤثر مباشرة على مراكز المخ لتقليل الشهية وفقدان الوزن، وهو ما قد يؤدى إلى مضاعفات خطيرة أو الوفاة المفاجئة. مضيفا أن حقن التخسيس العالمية يتجاوز سعرها 20 ألف جنيه، ولا يحق وصفها إلا لطبيب متخصص فى علاج السكرى، باعتباره الوحيد المسئول علميًا بتحديد من يمكنه الحصول عليها. أما ما يحدث داخل المنشآت الخاصة، فهو بيع لحقن مغشوشة بأسعار زهيدة، تسبب مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى الوفاة. طرق آمنة فيما يرى د. محمد زلط، أخصائى التغذية والسمنة والنحافة، أن فقدان الوزن الصحى لا يتحقق عبر الطرق السريعة أو أساليب الحرمان القاسية، بل يقوم على أسس علمية واضحة تراعى سلامة الجسم على المدى الطويل. وأولى هذه الأسس هى اتباع نظام غذائى متوازن لا يعتمد على الحرمان التام، وإنما يمد الجسم بما يحتاجه من سعرات حرارية وفيتامينات ومعادن، مع الأخذ فى الاعتبار الفروق الفردية. رقابة الصحة وفى هذا الصدد، يؤكد د. حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان، أن الرقابة تتم على مختلف مراكز التخسيس من خلال الحملات التفتيشية الدورية المفاجئة لإدارات العلاج الحر بالمحافظات ويتم التنسيق فى مثل هذه الحملات مع هيئة الدواء والجهات الرقابية الأخرى. منوهًا إلى أنه يجب الحصول على التراخيص الخاصة لهذه المراكز من وزارة الصحة ممثلة فى الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص وإدارات العلاج الحر بجميع محافظات الجمهورية، كما يتم تطبيق العقوبات على المراكز المخالفة أو غير المرخصة طبقًا لتصنيف المخالفة المرصودة بالمركز وذلك سواء كان بالإنذار لتلافى السلبيات المرصودة أو الغلق لحين الانتهاء من الاستيفاء من اشتراطات التراخيص، او إحالة المخالفة وتحريز المضبوطات لاتخاذ الإجراءات القانونية. معايير جديدة فيما تؤكد د. إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن الحل هو الرقابة الجادة من قبل وزارة الصحة، مشددة على ضرورة وضع معايير جديدة تمكّن المريض من التحقق من استكمال المركز لكافة التراخيص، والتأكد من أنه تابع بالفعل لرقابة وزارة الصحة ونقابة الأطباء. وتقترح استحداث طرق رقمية حديثة مثل وجود رقم تسلسلى أو كود تعريفى يظهر على منصة إلكترونية متخصصة لهذه الفئة من العيادات، أو حتى تطبيق نظام ال QR Code بحيث يمكن للمريض مسحه عبر الهاتف للتأكد من أن العيادة ملتزمة بالمعايير الموضوعة من وزارة الصحة والنقابة. وترى أن تطبيق وتفعيل مثل هذه الطرق المستحدثة للرقابة سيُمكن الوزارة من إحكام السيطرة، كما سيساعد المريض على التأكد بنفسه من أن العيادة مرخصة ويشرف عليها فريق من الأطباء الخاضعين للرقابة. موضحة أن المشكلة ليست فى غياب العقوبات، فالقوانين موجودة بالفعل، وإنما تكمن فى ضعف آليات التطبيق. فهناك عدد كبير من العيادات غير المرخصة المعروفة بعيادات بير السلم، فى حين أن عدد المفتشين والمراقبين الصحيين ليس كافيًا لتغطية كل المحافظات، مما يجعل الأمر صعبًا. ومن هنا تؤكد أن إدخال التكنولوجيا فى عملية الرقابة أصبح ضرورة، لأنه يوفر آلية أكثر فاعلية من الاعتماد فقط على المراقبين الصحيين. فإذا تم تفعيل نظام ال QR Code، سيتمكن أى مواطن ببساطة من مسحه عبر الهاتف لمعرفة إذا ما كانت العيادة مرخصة وتتبع وزارة الصحة أم لا.