عالم بلا قلب، وبشر نُزعت ضمائرهم! على مرأى ومسمع من الجميع يتم الغدر بالمستقبل مع سبق الإصرار، والعمد فى استمرار العصف ببراءة الطفولة، واستهداف الأطفال دون شفقة أو رحمة، بينما يتشدق الجميع بعبارات رنانة ذات بريق، لكنه كبريق الوحل الذى يخوض فيه أصحاب الوجوه المنتفخة، والبطون المتخمة، ومن لا يغادر أصابعهم الضغط على الزناد! لا تحمل الشاشات إلا صوراً لأطفال استشهدوا، وآخرين ينتظرون دورهم إما صرعى الرصاص والقنابل، أو ضحايا الجوع والعطش أو الحرمان من أبسط سبل العلاج والدواء حتى الموت! ودائرة المستقبل المغدور تتسع، فتتجاوز ما تشهده غزة إلى الضفة الغربية، لتصل إلى أرض اليمن الذى كان سعيداً، والسودان الذى يمكن أن يكون سلة غذاء العرب، وهنا وهناك يلقى الأطفال نفس مصير أشقائهم فى فلسطين! وفى تلك البقاع تعانى زهور الغد من أشكال متعددة للإبادة التعليمية، مع غياب المدرسة والمدرس والكتاب، لأعوام دراسية متتالية! وإذا وجدت لا تنجو من القصف والتدمير! وبعيداً عن هذه النماذج الصارخة، يعترف تقرير لجامعة براون الأمريكية فى التكلفة الإنسانية للحروب التى أشعلتها أمريكا، بأن ثمة 7٫6 مليون طفل دون الخامسة عانوا من سوء التغذية الحاد والهزال فى أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال جراء ما يسمى «الحرب على الإرهاب»! وإذا مددنا الخط على استقامته، رغم اعوجاج كارثى يحيط ببراعم المستقبل، يصدمنا تقرير لمنظمة العمل الدولية يشير إلى وجود 138 مليون طفل يكدحون فى سوق العمل، نحو نصفهم يمتهون أعمالاً خطرة! ثلثا هؤلاء فى إفريقيا، أما الأمريكتان ففيهما 7٫5 مليون طفل عامل، وإذا زدنا من قصيدة الكفر بيتاً، فإن تقريراً فاضحاً لليونيسيف يكشف عن وجود طفل من كل 5 أطفال يعيش فى فقر بالدول الغنية، وبالتحديد فى أغنى 40 دولة، وعلى سبيل المثال فإن مستوى الفقر بين الأطفال البريطانيين ارتفع بنسبة الخُمس خلال الأعوام الأخيرة! فى ذات السياق كشف تقرير لمؤسسة أبحاث أمريكية عن اهتزاز فكرة الحلم الأمريكى، وكان أحد أسباب ذلك أن تربية الأطفال على نهج هذا الحلم أصبح عبئاً مالياً هائلاً للعديد من الأسر! يعنى ذلك أن أطفال العالم فى الهم سواء، بعد أن توارى الرهان على دورهم فى صناعة المستقبل! ولعل الحروب، والإنفاق العسكرى، وإنتاج وتطوير السلاح، فى مقدمة أسباب معاناة أطفال العالم، دون استثناء، ولا ينتظرهم مستقبل أفضل ما دام مشعلو الحروب، ومنتجو السلاح، ومزيفو الوعى يتصدرون المشهد العالمى! المعاناة المستمرة للأجيال الجديدة، التى تبدأ مع طفولتهم فى ظل واقع متدهور، سوف تقود إلى صدام حتمى مؤسف مع المستقبل!