في قلب القاهرة، حيث يقف المتحف المصري بالتحرير شاهدًا على عظمة التاريخ الإنساني تختبئ آلاف الكنوز التي تسرد فصول حضارة ممتدة لآلاف السنين. غير أن هذه الكنوز لا تحظى بالحماية التي تستحقها. فاختفاء الأسوِرة الذهبية النادرة للملك «أمنموبى» مؤخرًا فجّر جدلًا واسعًا وأشعل موجة من الغضب الشعبي، لكنه لم يكن حادثة فردية، بل دليلًا جديدًا على فشل منظومة حماية التراث منذ عقود. ■ الدكتور عبد الفتاح الصباحي الدكتور عبد الفتاح الصباحي عالم الآثار يؤكد أن الحل يبدأ من نظام مراقبة إلكتروني شامل يضمن متابعة كل قطعة أثرية بالثانية عند نقلها أو ترميمها، مع وضع بصمة إلكترونية تطلق إنذارًا فوريًا حال خروج القطعة عن مسارها أو مكانها المخصص. ويقول: «مع رقابة دقيقة على المتعاملين مع الآثار، وباستخدام تقنيات مطبقة في البنوك والمتاحف العالمية مثل المتروبوليتان، يمكن تأمين التراث. لا يُسمح هناك لأي فرد بلمس أثر إلا عبر إجراءات إلكترونية صارمة، وكاميرات مراقبة على مدار الساعة، وتفتيش دقيق. البصمة الإلكترونية ضرورية، فإذا خرج الأثر تضرب إنذارًا مثل أنظمة محلات الملابس». ■ الدكتور أحمد صالح أما الدكتور أحمد صالح أستاذ الآثار فيسلط الضوء على الفوضى الأمنية داخل المتحف، قائلًا إن المتحف المصري بالتحرير له مدخلان، واحد للعاملين وآخر للزوار. الداخل يُفتش بدقة، لكن الخروج بلا تفتيش، وكأن حماية الآثار ليست أولوية، وهناك باب ثالث من جهة عبد المنعم رياض بلا شرطة، يخرج منه الموظفون. بعض القاعات بها كاميرات وبعضها بدون، وحتى معمل الترميم بلا كاميرات. ◄ اقرأ أيضًا | المجلس الأعلى للآثار.. يكشف تفاصيل سرقة أسورة من المتحف المصري التفتيش يركز فقط على الأسلحة لا على حماية القطع، فى عهد عبدالحليم نور الدين سرق خنجر وخرج به السارق ببساطة فلماذا لايفتش الموظفون عند الخروج مثل الزوار؟ ■ الدكتور طارق فرج من جانبه يؤكد الدكتور طارق فرج أستاذ علم المصريات أننا أمام مسئولين لا يعرفون قيمة التراث. غياب منظومة كاميرات مركزية، غياب أمن حقيقي للتفتيش، انعدام خدمات أساسية للسياح، حتى طبيب طوارئ غير موجود. ويقول أحد الأثريين، فضل عدم ذكر اسمه إن القضية إذن ليست مجرد اختفاء قطعة نادرة، بل أزمة نظامية وإدارية متجذرة تكشف عن إهمال مستمر وفوضى متراكمة. المطلوب ليس بيانات إعلامية، بل خطة عاجلة تتضمن إنشاء نظام مراقبة إلكتروني شامل، وتركيب كاميرات على مدار الساعة في كل أرجاء المتحف ومعامل الترميم، ووضع بصمة إلكترونية لكل قطعة أثرية، وتنفيذ صيانة مستمرة للمرافق، وتدريب متخصص لحراس الأمن والأثريين، ومحاسبة صارمة للمسئولين عن الإهمال، فالتراث هو ذاكرة الأمة، وإذا استمر العبث والإهمال، ستضيع هذه الذاكرة بالكامل أمام أعيننا.