يرى الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن تسجيل مقتنيات المتحف المصري بالتحرير يمنحها حماية مضاعفة، حيث يسهُل تتبعها واستردادها حال تعرضها للسرقة أو التهريب، بينما تظل الآثار غير المسجلة الناتجة عن الحفر العشوائي الأكثر عرضة للفقدان، وهو ما يجعل رقمنة السجلات ضرورة ملحة لصون التراث الوطني. قبل الافتتاح الرسمي.. المتحف المصري الكبير يزيح الستار عن كنوز نادرة وأوضح أن حماية التراث المصري تتطلب خططاً متكاملة تبدأ من الجرد الدقيق وتوثيق البيانات، وصولاً إلى الرقمنة وربط السجلات بآليات كشف عالمي. - أهمية التسجيل في حماية الآثار يشير الدكتور ريحان إلى أن تسجيل القطع الأثرية هو الضمان الأول لعودتها حال تهريبها أو ظهورها في أي صالة مزادات أو معارض غير شرعية. وبما أن جميع مقتنيات المتحف المصري بالتحرير مسجلة بدقة، فإن استعادتها في حال فقدانها يظل أمراً ممكناً، سواء عبر الإدارة العامة للآثار المستردة أو من خلال المسارات الدبلوماسية والقانونية المتاحة. وقد تأسست الإدارة العامة للآثار المستردة في أبريل 2002 تحديداً لهذه المهمة، حيث تختص برصد وتتبع القطع المهربة والعمل على استردادها وفقاً لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983. وتشير التجارب السابقة إلى نجاح مصر في استعادة مئات القطع بفضل التسجيل المسبق. - حوادث سرقة سابقة من المتحف المصري على الرغم من مكانته المرموقة، شهد المتحف المصري عدة حوادث سرقة أثارت الرأي العام محلياً ودولياً، أبرزها: حادثة 2004: اختفاء 38 قطعة ذهبية من بينها 36 سواراً وخاتمان من العصرين اليوناني والروماني، قُدرت قيمتها التأمينية بنحو 150 مليون جنيه. وقد كشفت التحقيقات عن ضعف إجراءات الجرد منذ سرقة 1996. شائعة 2017: انتشرت أنباء حول اختفاء خاتم ذهبي ملكي، لكن وزارة الآثار سارعت بنفيها، مؤكدة أن القطعة موجودة وتم تصويرها وإثبات حالتها. أحداث يناير 2011: شهد المتحف اقتحاماً عبر السطح باستخدام الحبال، وسُرقت عدة قطع بينها تمثال لتوت عنخ آمون. ومع ذلك تمكنت السلطات لاحقاً من استعادة معظمها. سرقة معمل الترميم: آخر الحوادث تمثلت في اختفاء سوار ذهبي للملك بسوسنس الأول، يزن 600 جرام، كان مودعاً بخزائن معمل الترميم. ويشير الدكتور ريحان إلى أن اللص استغل غياب كاميرات المراقبة. - خلفية السوار الذهبي للملك بسوسنس الأول الملك بسوسنس الأول، أحد أبرز ملوك الأسرة الحادية والعشرين، حكم من مدينة تانيس بالشرقية. وقد ارتبط اسمه باكتشافات أثرية مبهرة تعود لعام 1940 على يد عالم الآثار الفرنسي بيير مونيه، الذي عثر على كنوز مذهلة أبرزها توابيت فضية وأقنعة ملكية وأساور ذهبية. السوار المسروق يعد جزءاً من هذه المجموعة الفريدة، ويؤكد الدكتور زاهي حواس أن المتحف المصري يضم أربع أساور ذهبية للملك، وأن القطعة المختفية هي الأصغر بينها، ما يخفف من حدة القلق العام. - المعارض الخارجية كفرصة وتحدٍ أوضح الدكتور ريحان أن سبب وجود السوار بمعمل الترميم يعود إلى تحضيره ضمن مجموعة من القطع المشاركة في معرض خارجي بإيطاليا. وقبيل خروج أي قطعة يتم إعداد تقرير فني شامل لحالتها، ويُسجَّل في ملفات خاصة، ثم يُؤمن عليها عبر شركات وطنية لضمان عودتها. وتعد المعارض الخارجية وسيلة فعالة للترويج للحضارة المصرية، لكنّها في الوقت ذاته تشكل تحدياً أمنياً يتطلب إجراءات صارمة. والدليل على ذلك هو المعرض المرتقب بعنوان "كنوز الفراعنة"، المقرر افتتاحه في أكتوبر 2026 بقصر سكوديري ديل كويريناله في روما، والذي يضم 130 قطعة من المتحف المصري ومتحف الأقصر. - مشكلة التخزين والمخازن الأثرية لا تقتصر المخاطر على السرقات فحسب، بل تمتد إلى سوء ظروف التخزين. فالكثير من القطع مكدسة في مخازن غير مجهزة لمواجهة التغيرات المناخية، مما يعرّضها للتلف. وهنا يؤكد الدكتور ريحان أن غياب المراجعة الدورية والتوصيف الفني الدقيق يفتح الباب لسرقات خفية عبر استبدال القطع الأصلية بمقلدة. - الحاجة إلى خطة وطنية شاملة دعا الدكتور ريحان إلى تنفيذ خطة شاملة لحماية الآثار تقوم على: 1- جرد شامل لكل العهد المتحفية والمخزنية ومطابقتها مع دفاتر التسجيل. 2- توثيق فوتوغرافي عالي الجودة لكل قطعة مع توصيف فني دقيق. 3- رقمنة السجلات وتحويلها إلى قاعدة بيانات إلكترونية وطنية ودولية. 4- تحديث أنظمة المراقبة بالكاميرات وأجهزة الإنذار في المتاحف والمخازن. 5- إطلاق حملات توعية للمجتمع المحلي بأهمية حماية التراث كجزء من الهوية الوطنية. - الرقمنة كحل جذري يشدد الدكتور ريحان على أن رقمنة دفاتر التسجيل هي الخطوة الأكثر إلحاحاً. إذ يمكن عبر وضع قاعدة بيانات موحدة، محلياً ودولياً، أن يُكشف فوراً عن أي محاولة تهريب أو استبدال. كما أن وجود نسخة رقمية يضمن الحفاظ على البيانات من التلف أو التلاعب. - السياق القانوني والدولي تعتمد مصر في جهودها لاستعادة آثارها على قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية اليونسكو 1970 الخاصة بحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير شرعية. وقد أسفرت هذه الآليات عن استعادة آلاف القطع خلال العقدين الماضيين. - دور المجتمع العلمي والإعلامي تؤكد حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، برئاسة الدكتور ريحان، على ضرورة تضافر جهود الأكاديميين والإعلاميين والمجتمع المدني لحماية التراث. فالوعي العام يعد خط الدفاع الأول ضد أي محاولة للإضرار بالممتلكات الأثرية. - البعد الحضاري للكنوز المصرية إن الحديث عن سرقة أو فقدان أي قطعة أثرية ليس مجرد شأن مادي، بل هو قضية هوية وطنية. فكنوز مصر تمثل ذاكرة إنسانية مشتركة، وضياعها يعد خسارة للعالم كله. لذلك فإن الجهود المبذولة في استردادها وحمايتها هي جزء من الحفاظ على التاريخ الإنساني. اختتم الدكتور عبد الرحيم ريحان تصريحاته بالتأكيد على أن حماية الآثار المصرية مسؤولية جماعية لا تنحصر في وزارة أو هيئة، بل تشمل الدولة بأكملها، شعباً ومؤسسات. فالمتاحف ليست مجرد مخازن للقطع، بل هي شواهد حيّة على حضارة ممتدة عبر آلاف السنين. ومع التحديات المعاصرة، من السرقات إلى التخزين غير الملائم، فإن الرقمنة والتوثيق العلمي يمثلان طوق النجاة للحفاظ على هذا التراث العظيم وضمان بقائه للأجيال المقبلة.