◄ د. أحمد كريمة: لا أحرم ولا أحلل الزواج العرفي ويجب توثيق العقود وفقا للمبادئ والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية ◄ خبير علاقات أسرية::ما الذي يجعل رجلاً أو امرأةً يقدمان على زواجٍ دون توثيق"، إلا إذا كان وراءه سببٌ فيه تحايل على القانون بشكل أو بآخر ◄ التعبئة والإحصاء: عدد عقود الزواج العرفي الموثقة 103.6 ألف في عام 2023 معظمها في المناطق الريفية ◄ محامون: وجود قصور في قانون الأحوال الشخصية يمنع المرأة غير القادرة ماديًا من الحصول على معاشها والتحايل على القانون تعتبر ظاهرة الزواج العرفي، من القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل، رغم أن الزواج العرفي قد يبدو في بعض الحالات حلاً للمشاكل الاجتماعية والمالية، بالنسبة لشريحة من المواطنين، إلا أنه ينطوي على العديد من المخاطر القانونية والاجتماعية التي قد تؤثر على الحقوق، وخاصة حقوق المرأة. وأصبح الزواج العرفي، أحد الحلول التي يلجأ إليها البعض لتجاوز مشاكل قانونية، مثل الحصول على المعاشات، أو للحفاظ على العلاقة الزوجية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. ويرى بعض الخبراء أن الزواج العرفي يمكن أن يكون مباحًا إذا استوفى بعض الضوابط الشرعية، ويؤكد آخرون على ضرورة توثيقه لتجنب المشكلات القانونية والاجتماعية. في هذا التقرير، نسلط الضوء على الأسباب الاجتماعية والقانونية التي تقف وراء انتشار هذه الظاهرة، وكذلك الآثار القانونية والاجتماعية المترتبة عليها، من خلال استعراض آراء الخبراء في القانون والشريعة الإسلامية. ◄ إحصائيات نسبة الزواج العرفي ووفقًا لدراسة حديثة، أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن السكان، تناولت نسبة الزواج العرفي الموثق «التصادق»، تفيد بأن عدد عقود الزواج العرفي الموثقة بلغ 103.6 ألف في عام 2023، وأن معظم هذه العقود تم توثيقها في المناطق الريفية، كما أشارت الدراسة إلى أن أقل نسبة تصادق كانت بين الحاصلين على درجة جامعية عليا. وشملت الدراسة البيانات التالية: - حالات التصادق طبقًا للحالة التعليمية للزوج والزوجة لعام 2023 - عدد عقود الزواج طبقًا لنوع العقد والحالة التعليمية للزوجة لعام 2023 ومن المؤكد أنه لا توجد دراسات أو إحصائيات من الجهات الرسمية بالدولة، بشأن أعداد أو نسب الزواج العرفي السري «غير الموثق» لصعوبة تعقبه. ◄ حقوق المرأة من جانبه، أوضح عمر الشيمي المحامي المتخصص في قضايا الأحوال شخصية، إن الزواج العرفي نوعين: إما زواج عرفي موثق في سجلات الدولة ويعترف به القانون زواجًا رسميًا يضمن حقوق الزوجة المشروعة، أما الزواج العرفي الغير موثق، لا يعتد به أمام القانون، ولكنه لا يسقط حق الزوجة في الحصول على معاش المتوفي سواء زوجها أو أحد والديها، على عكس الزواج الموثق الذي يسلبها هذه الميزة، وذلك لوجود شخص مسئول بالكامل عن الزوجه في حالة الزواج الرسمي. وأضاف أنه طبقا لقانون الأحوال الشخصية، الذي يشرع حقوق المرأة والتأمينات نتيجة وفاة الأب أو الزوج فيحق لها الحصول على معاش، مما يجعل هذا القانون عرضة للتلاعب به من ضعاف النفوس أو من هم في حاجه للمال، فقد يعتقد البعض أنه لا يراعي دائمًا الظروف الاقتصادية، مما يدفعها للبحث عن ثغرات مثل الزواج العرفي. اقرأ أيضا| أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة وأكد «الشيمي» أن فكرة الزواج الغير موثق بدأت في الظهور لضمان وجود المعاش دون الأضرار بالحياة الزوجية والأسرية وحاجتها لسد الفجوة بين صعوبة الحياة والدخل المادي المستحق لها والذي يضمنه قانون الأحوال الشخصية والتأمينات، لتبدأ في الانتشار بهذا الشكل. ◄ أسباب انتشار الظاهرة وفي ذات السياق، أكد أحمد عبد المقصود الخبير القانوني، أن هذه الظاهرة كانت مقتصرة على المناطق المتدنية تعليماً والأجور الضعيفة، وأصحاب النفوس المهتزة، أما الآن فقد أصبحت منتشرة في جميع الطبقات الاجتماعية، نظرًا لارتفاع الأسعار وكلفة الزواج الرسمي، وسهولة إمكانية إتمامه دون تسجيل رسمي. وكشف عن وجود قصور في قانون الأحوال الشخصية الذي يمنع المرأة غير القادرة ماديًا من الحصول على معاشها لمجرد زواجها من رجل قد يتحمل المسؤولية أو لا يتحملها، ما يجعل المتزوجات يلجأن للطلاق الرسمي ويتجهن للزواج العرفي بدون توثيق، لضمان استمرارية العلاقة الزوجية وفي نفس الوقت ضمان حصولها على كافة حقوقها المالية. وأكد أن هناك العديد من قضايا إثبات الزواج العرفي بشكل متكرر داخل محاكم الأسرة سواء مقدم من النساء أو الرجال الراغبون في التوثيق موضحًا أن 90٪ من الطلبات المقدمة من النساء تنجح في الإثبات، أما عن الطلبات المقدمة من الرجال 10٪ منها فقط تنجح في إثبات الزواج العرفي. ◄ موضة وغير قانوني وعلى صعيد آخر، هناك تأثير واضح لظاهرة «الزواج العرفي»، والتي قد توغلت مؤخرًا بشكل كبير داخل طبقات المجتمع المختلفة، وبحثًا عن الأسباب الاجتماعية التي تلعب دورًا في تحولها إلى «موضة» وفي هذا الصدد، تحدثنا الدكتورة آمل رضوان أستاذة علم الاجتماع وخبيرة العلاقات الاجتماعية والأسرية، عن الأسباب والدوافع التي تتيح انتشار الظاهرة. وأكدت قالت الدكتورة آمل رضوان، أن الزواج العرفي يحمل في طياته عدة مشاكل، وقد يلجأ إليه البعض ليخفي وراءها أخطاء بل جرائم، فما الذي يجعل رجلاً أو امرأة يقدمان على زواج دون توثيق، إلا إذا كان هناك سبب فيه تحايل على القانون بشكل أو بآخر، أو تحايل على شريكة الحياة أو الأهل، فالزواج العرفي عادة ما يكون سريًا، فمن يقدم عليه يعلم تمام العلم بأنه يرتكب جرمًا في حق نفسه وشريكه وأهله ومجتمعه. اقرأ أيضا| ما حكم الزواج العرفي بدون شهود؟ الافتاء تُجيب وأكدت خبيرة العلاقات الأسرية أن الزواج العرفي غير قانوني، وبالتالي يؤدي إلى ضياع الحقوق، قد تلجأ إليه المرأة للحصول على معاش والدها أو معاشها من زوجها المتوفى، والذي يسقط حقها فيه بمجرد زواجها، وفي بعض الأحيان للاحتفاظ بحضانة أبنائها، وفي أحيان أخرى، يكون السبب عدم بلوغ الفتاة السن القانوني للزواج. ◄ الحفاظ على المعاش وأضافت أن الزيجات العرفية تتم بين الشباب صغار السن دون علم أهلهم، في محاولة خبيثة لإضفاء صبغة شرعية على علاقة هم في أعماق أنفسهم يدركون أنها علاقة خاطئة، وأحيانًا عندما يستبيح الرجل لنفسه التعدد دون الأخذ بضوابطه الشرعية، ومنها إعلام الزوجة الأولى، وأحيانًا أخرى لخداع الزوجة الجديدة ليتزوجها عرفيًا لفترة ثم يطلقها دون أن يكون لها أيّة حقوق. وكشفت أستاذة علم الاجتماع، هناك مبررات وأسباب اجتماعية تجعل الناس تستخدم هذه الحيل، للحفاظ على المكتسبات، وكطبيعة بشرية، يحاول الإنسان دائمًا تبرير أفعاله وأخطائه، فعلى سبيل المثال، الزواج العرفي من أجل الحفاظ على المعاش يتم تبريره أحيانًا بأنه مستحق، فالوالد قد تم اقتطاع جزء من راتبه على مدار سنوات للمعاش، وتبريره أحيانًا بالظروف الاقتصادية الصعبة، وأن هذا حقها لدى الدولة لتعيش حياة كريمة. وتابعت: «هنا تأتي الطامة الكبرى في الآثار السلبية للزواج العرفي من ضياع الحقوق، وعلي سبيل المثال حقوق الأطفال، فيجب تفعيل دور التوعية بأهمية توثيق الزواج، وعمل الحكومات على حل المشاكل الاقتصادية وتوفير حياة كريمة ودخل جيد والقضاء على البطالة وتوفير مظلة حماية آمنة للجميع من أجل حياة مستقرة». ◄ رأي الدين وفي ظل الانتشار المتسارع لتلك الظاهرة، قد تأثرت بها الأخلاقيات والتقاليد الأسرية المتعارف عليها في المجتمع، فالدين أساس الحياة ومنظم للأمور الدنيوية، وكان يجب أن نضع أمام أعيننا رأي الفقه الإسلامي والسنة النبوية، يحدثنا عنه الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، حيث أكد أنه مؤخرًا انتشرت ظاهرة جديدة في المجتمع ألا وهي «الزواج العرفي»، وبعد أن أصبحت موضة، قد يستخدمها البعض كوسيلة لتحقيق مكاسب، منها الحصول على معاش لا يحق للمرأة الحصول عليه في حالة الزواج الرسمي الموثق في سجلات الدولة «من وجهة نظر القانون»، أو مستحقات مالية أخرى، أو لأي سبب آخر، مما يطرح علينا عدة أسئلة، ومنها قال الدكتور أحمد كريمة: «نحن لا نعارض التوثيق فهو إجراء يجب وضعه في الاعتبار، فالدول استحدثت توثيق عقود الزواج، وهذا يتفق مع المبادئ والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وأيضًا توثيق الطلاق وذلك متوفر من خلال المأذون الشرعي، ففي فقة الأسرة والمعاملة لا يوجد مايمنع توثيق العقود، وهذا ينبغي أن يكون معلومًا جيدًا». ◄ متى يصبح الزواج العرفي مباحًا؟ وأضاف أستاذ الفقه المقارن أنه لا داعي لهذه الزيجات، لا أحرم ولا أحلل، لكن إذا نظرنا إلى مصلحة المرأة وحقوقها وكيفية الحفاظ عليها من الضياع، فلابد أن يتم الزواج وفق أشخاص موثوقين من أجهزة الدولة المعنية، «المأذون» كما يُطلق عليهم في بعض المناطق، وللزواج العرفي أنواع، منها الزواج السري وهذا حرام وباطل، كذلك الزواج غير المعلن، والزواج المؤقت حرام وباطل. ولكن للزواج العرفي أركان لابد أن تتوفر فيه ليصبح زواجًا قائمًا ومباحًا. وأكد أنه في حالة استيفاء الأركان يصبح الزواج العرفي مباحًا، ومنها الإشهار والعلانية، نفترض وجود بعض المجتمعات يحققون كل أركان الزواج بين طرفي العقد، وهي الاتفاق والإيجاب والقبول، وأيضًا الاتفاق على المهر والإشهار «العلانية»، تلك هي أهم الشروط الواجب تحققها، ليصبح زواجًا صحيحًا، أما عن أهمية التوثيق، فكما قلت سابقًا، هو إجراء احترازي ونحن نشجعه، فرارًا من المشاكل وتجنبًا لوقوع ظلم على المرأة في حقوقها. ◄ أسباب انتشار الزواج العرفي أوضح أستاذ الشريعة الإسلامية: من أهم تلك الأسباب هي احتياج المرأة المتزوجة للمال. هناك أسر ربما ليس لهم سند في الحياة دون المعاش، فهو حق أصيل للنساء. فالأب يعمل ويُستقطع من راتبه للمعاش، فكيف يمنع؟! هذا حرام وباطل. وقد يلجأ الناس، وربما نجد منهم أطفالًا في مقتبل أعمارهم إلى التسول والتشرد أو السير في طريق الخطأ، قبل أن ندين الناس، ندين القوانين الجائرة، حتى لا نُلقي بتلك الفئة ومثيلاتها فريسة للزواج العرفي، فإصلاح القوانين ضروري. وتساءل: على أي أساس شرعي استندت هذه القوانين في منع المرأة المتزوجة من معاش أبيها؟، لا يوجد نص يمنع هذا الحق، من المفترض قبل أن نصنع قانونًا، علينا النظر إلى ما يترتب عليه وعواقبه، فقبل أن تلعنوا الظلام أو حتى تشعلوا شمعة، يجب ألا ندين الناس البائسين والفقراء فهم معوزون، يجب أولاً إصلاح القوانين. وأكد أنه من ضمن أسباب انتشاره، في بعض المناطق أو ببعض الأعراف أو في ظروف معينة، قد يلجأ البعض إلى الاستعجال في الزواج بطريقة التسنين، وصولاً إلى السن القانوني، وهذا يأخذنا إلى جزء مهم في الشريعة وهو التكليف، الذي يبدأ من البلوغ الشرعي للذكر 15 عامًا، والأنثى ما بين سن 11 عامًا إلى 13 عامًا. وفي قوانين الدولة لا يمكن إبرام عقد زواج للفتاة إلا بعد إتمام بلوغ 18 عامًا، والشاب سن 21 عامًا، مما قد يساعد على انتشار الظاهرة.