* علماء وقانونيون: قضية اختلط فيها الحلال بالحرام ولابد من مناقشتها فقهيا * ما يتم بين شباب الجامعات «سرى» وليس «عُرفيا»..و«حبس الزوج» مخالفة شرعية ودستورية
رغم الجهود التى تبذل للتصدى للزواج العرفى، فإن الإحصاءات تؤكد تزايد تلك الظاهرة وتفاقم نسبتها بشكل ملحوظ فى الأعوام الأخيرة، ناهيك عن آثاره السلبية وإضراره بالمرأة والطفل والمجتمع. مما حدا بكثير من المراقبين والمهتمين بالأسرة للبحث عن حلول وتشريعات للحد من تلك الظاهرة، والمطالبة بتوثيق حفاظا على حقوق المرأة والطفل. وكان أبرز الأصوات المطالبة بتوثيق الزواج العرفى الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب، والتى تعكف حاليا على إعداد مشروع قانون ينص أحد بنوده على الحبس لمدة عام للرجل الذى لا يوثق عقد الزواج. العقوبة التى تضمنها مشروع القانون، رفضها الكثير من القانونيين وعلماء الدين، وإن كانوا يتفقون مع النائبة على الأضرار والسلبيات الناجمة عن هذا النوع من الزواج وأهمية توثيقه. الدافع لإعداد مشروع القانون كما تقول د.آمنة نصير هو أن كثيرا من أمراض وعلل الأسرة بدأت تتسع مساحتها فى المجتمع المصرى، وعلى رأسها إقبال بعض الشباب والفتيات على الزواج العرفى الذى يفتقد المقومات الأساسية لمشروعية الزواج مثل إخفائه وكتمانه. وهذا الزواج كما تصفه نصير هو «الفساد العظيم»؛ لأنه ضياع للبنت ولمستقبلها وضياع لنتاج هذا البيت. وطالبت أعضاء مجلس النواب المشايخ والعلماء بأن يجردوا بين مفهوم العرفى الذى يتم فيه مقومات الزواج الصحيح وبين العرفى الذى به يسرق هذا الشاب البنت من أهلها عندما يعجز عن الوصول معهم إلى تراض. زواج باطل يقول الدكتور سيف رجب قزامل، أستاذ الفقه المقارن والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون بطنطا، إن من الصور المخالفة للشرع فى الزواج أن يعقد الشاب على فتاة ويأتى بشاهدين صديقين له أو ربما يكونان عابرى سبيل ويعقد عقدا عرفيا ويدخل على هذه الفتاة بدعوى أنها فوق سن الحادية والعشرين فهى مكتملة الأهلية بالغة رشيدة.. وإلامام أبو حنيفة إذا كان قد رأى أن المرأة لها الحق أن تزوج نفسها كالرجل تماما مادامت بالغة رشيدة، لكن علينا أن نعلم أن الإمام أبا حنيفة اشترط أيضا أن يعلم الأهل بمن تقدم للزواج بابنتهم البالغة الرشيدة فإذا لم يكن كفؤا لابنتهم فإن لهم الحق أن يعترضوا على هذا الزواج أمام القاضى، وكذا إذا لم يقدم مهرا مماثلا لبنات عمها أو أخواتها. ومعنى ذلك أن الإمام أبا حنيفة اشترط لكى تزوج البنت العاقلة البالغة نفسها أن يكون الزواج علانية. ورأى أبى حنيفة يمكن حمله على ما إذا امتنع الولى عن تزويج ابنته البالغة العاقلة حينئذ من حقها أن تزوج نفسها بهذين الشرطين: أن يكون الزوج كفؤا لها، وأن يقدم لها مهرا مماثلا لقريناتها. ويقترح قزامل تعديل القانون الحالى بأن ينص فيه على بطلان عقد الزواج إذا لم يوجد الولى، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم «لا زواج إلا بولى وشاهدى عدل». سفاح فى صورة نكاح ويطالب الدكتور مصطفى عرجاوى، أستاذ القانون بجامعة الأزهر: بحظر الزواج الذى يتم فى سرية تامة لمجرد قضاء الرغبة، وأن توضع له قواعد وضوابط قانونية تحول دون إتمامه باعتباره وسيلة غير شرعية بها تحايل على القانون وتؤدى إلى نشر الفساد فى المجتمع، وفى مثل هذه الحالات يقرر التشريع المقترح عقوبة باعتبارها مخالفة للقانون وفيها اعتداء صريح على الشريعة الإسلامية فضلا عن الإساءة للأسرة وللمرأة بوجه عام فيحظر تماما كل عقد غير معلن للكافة؛ لأن الزواج السرى سفاح فى صورة نكاح ومضاره شديدة على الأسرة والمجتمع. ورفض الاقتراح المتعلق بمعاقبة الرجل بالحبس عند الزواج بفتاة دون توثيق هذا العقد لأن الزواج ليس جريمة يعاقب عليها فى القانون مادام استوفى الأركان والشرائط المقررة فى الشريعة والقانون، وإلا فإن هذا الاقتراح بتشريع عقوبة توقع على الرجل لمجرد أنه لم يقم بتوثيق العقد تمييز لا يأخذ به القانون ولا يعتد به شرعا؛ لأن فيه إفراطا وتشددا ضد طرف فى مواجهة الطرف الآخر. وفى ظل الممارسات المغلوطة للزواج العرفى والمشكلات الحياتية الناشئة عنه، يرى الدكتور محمد الشحات الجندى، أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان أن التوثيق أصبح أمرا واجبا ومطلبا ملحا تأسيسا على قاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» وقال إنه يجوز بل قد يكون واجبا سد مسالك الفساد فى الزواج العرفى بأن يكون التوثيق شرطا من شروطه، وفقا لقاعدة «للحاكم أن يقيد المباح». مخالفة شرعية ودستورية وأضاف الجندى أنه لا يجوز فى سبيل التصدى للزواج العرفى أن نلجأ إلى حبس الزوج؛ لأن الحبس إنما يكون عن أمر محرم تحريما قاطعا، ويكون أيضا بالمساواة بين طرفى هذا الزواج وليس الحال كذلك لأن المقترح هو تطبيق العقوبة على الرجل وحده، وهى مخالفة شرعية ودستورية؛ لأنه قد يقوم هذا الزواج باستيفاء الشروط والأركان الشرعية من وجود إيجاب وقبول وهو الحاصل فى التراضى بين الطرفين الرجل والمرأة وموافقة ولى ووجود شهود فى هذه الورقة المكتوبة بينهما غير الموثقة رسميا، ولأن عقد الزواج عقد رضائى وافقت عليه الزوجة كما وافق عليه الزوج، مما يؤدى إلى التفرقة بين وضعين متماثلين وهو ما يتصادم مع مبدأ المساواة فى الواجبات والحقوق الناشئة عن هذا العقد وما نص عليه الدستور الحالى، مما يفتح المجال للطعن على فرض مثل هذه العقوبة أمام المحكمة الدستورية والقضاء بعدم دستوريتها شرعا وقانونا. ويمكن فرض بدائل للالتزام بالآثار الناشئة عن وقائع الزواج العرفى معالجة للأوضاع الضارة التى تنتج عن هذا الزواج. ويتعين فى هذا الصدد عرض مشروع القانون المزمع عرضه على مجلس النواب وإتاحته للحوار المجتمعى. حلول ومقترحات من جانبه، أوضح الدكتور ناصر محمود وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة العريش أن القانون وحده لا يكفى لمجابهة الزواج العرفى وأن التصدى لتلك الظاهرة يقتضى بالإضافة إلى ذلك عددا من الأمور، منها: التربية الحسنة، ومراقبة الأسرة لأبنائها، لاسيما حينما يصلون لمرحلة الشباب والجامعة، وأن يقترب الأب من ابنه والأم من ابنتها، وأن يصير بينهما نوع من الصداقة يسمح بالبوح بأسرار الأبناء للآباء. تنظيم ندوات مكثفة بالجامعات عن الزواج العرفى ومخاطره، وبيان أسس ومقومات الزواج فى الإسلام. عدم المغالاة فى المهور، والتضييق على الشباب فى الحلال مما يدفعهم للانحراف والزواج سرا دون علم الأهل. تغيير ثقافة المجتمع تجاه الزواج الثانى للرجل والمرأة، وكذا التعدد، وهو ما أدى غيابها فى كثير من الأحيان لكتمان الزواج وعدم إعلانه. النظر فى إمكان حصول المرأة على جزء من معاشها بعد الزواج وفق معايير وضوابط معينة. تنظيم حملة توعوية عبر المنابر ووسائل الإعلام المختلفة ومنظمات المجتمع المدني، لتأصيل ما سبق، وبيان خطورة وعلاج الظاهرة والآثار المترتبة عليها. لجنة فقهية جامعة يقول الدكتور مصطفى مراد، أستاذ الأديان والمذاهب بكلية الدعوة: إن قضية الزواج العرفى تشعبت مواضيعها وتناثرت مسائلها واختلط فيها الحلال بالحرام مما يستلزم وجود لجنة فقهية جامعة لوضع الحلول المناسبة لدرء هذه المفسدة وأز الشباب أزا إلى الحلال، وأعنى باللجنة الفقهية جماعة العلماء من كل ميدان متصل بالقضية، ويدخل فى ذلك علماء الشريعة والاجتماع وعلماء النفس وغيرهم؛ لأجل أن تكون الأحكام سديدة نافعة لا تؤدى إلى ضرر فى الحاضر أو المستقبل. وقد كان السابقون رضى الله عنهم وأرضاهم يجمعون من شهد غزوة بدر وأحد فى مسائل أقل من تلك فكيف لو رأوا فى هذه المسألة رأيا فرديا من غير متخصص أصيل. وأوضح مراد أن الحل يسير لكنه يحتاج فقط إلى العلماء المحققين المدققين الجامعين بين الرواية والدراية وفقه الواقع وفقه الموازنات وفقه الدعوة وفقه المآلات. ولا يحق بحال قصر العقوبة على أحد الطرفين الذكر أو الأنثى فإن كليهما مشارك فى المسألة لا محالة. ولا يدفعنا التأثر الشديد بالمطالبة بحقوق المرأة أن ننسى حقوق الرجل وإلا كان حيفا وجورا. وكل قانون أو تشريع يقصر العقوبة على أحد الطرفين دون سبب خاص من أحدهما كمكر أو خداع أو نحوهما يعد مناقضا للأصول منافيا للمعقول مضادا للمنقول.