اخترت هذا العنوان الصادم عن عمد، ليس من باب الإثارة، ولكن باعتباره تعبيرًا صادقًا للمرحلة الأخيرة، التى نجح فيها رئيس الوزراء الإسرائيلى بدون قصد منه ولا تخطيط، فى خلق (نوبة صحيان) فى منطقة الشرق الأوسط، أثمرت فى إعادة رسم خريطة تحالفات فى المنطقة، تراعى مصالح دولها، ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب: استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة منذ حوالى عامين، بالإضافة إلى التصريحات الفجة للطغمة الحاكمة عن إقامة إسرائيل الكبرى، والسعى إلى تحقيق دولة أسبرطة، أما السبب الثالث فهو الهجوم الإسرائيلى على قطر. وكما يقول (رب ضارة نافعة )، و(أن تأتى متأخرًا أفضل من ألا تأتى أبدًا)، فقد أسهم ذلك كله فى متغيرات استراتيجية مزلزلة فى المنطقة، تخالف أوهامه والتى كشف عنها خطابه، أثناء مشاركته فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2023، وقبل أيام من طوفان الأقصى، وتفاؤله بمستقبل بلاده ضمن دول المنطقة، وحديثه عن الفوائد التى جنتها المنطقة من عقد أربعة اتفاقيات سلام مع أربع دول عربية، وحلمه فى تحقيق إنجاز أكبر وهو السلام التاريخى بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وخريطته التى تربط آسيا مع أوروبا عبورًا بالإمارات والسعودية والأردن حتى موانئ إسرائيل، والذى أسماها (ممر السلام)، فخلال عامين فقط، بدأت عملية على إعادة النظر فى الاتفاقيات الإبراهيمية، مع استحالة توقع تطبيع سعودى إسرائيلى، بل العكس عاد مصطلح غاب كثيرًا، وهو اعتبار إسرائيل ك (عدو). لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلنا إلى رسم خريطة جديدة خرجت من الإطار العربى إلى فضاء الشرق الأوسط، بدخول دول مثل تركياوإيرانوباكستان، ووسط تحالفات جديدة، كان من الصعب تخيلها على الأقل فى العامين الماضيين، ونتوقف عند التغيير الذى تم على صعيد مصر والسعودية، ولنبدأ بالقاهرة، والتى شهدت علاقاتها تغييرات مهمة مع كلٍ من تركياوإيران، ولنبدأ بأنقرة، حيث دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة غير مسبوقة، فقد كان عدوان إسرائيل على غزة، وراء خلق مساحات من تعزيز العلاقات، خاصة مع المواقف الموحدة تجاه قضايا التهجير واستهدافها للمنطقة، والسعى إلى إنهاء العدوان، وأثمرت الزيارة الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسى لأنقرة فى سبتمبر من العام الماضى، فى تحقيق إنجازات مهمة، منها التوقيع فى فبراير الماضى، على إعلان مشترك بتفعيل اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجى رفيع المستوى، ورفعه إلى مستوى القادة، وكان من اللافت زيارة رئيس الأركان الفريق أحمد خليفة فى مايو الماضى، للمشاركة فى الاجتماع الرابع للجنة العسكرية بين البلدين، لتعزير التعاون بينهما فى مجال التدريب ونقل الخبرات، مما دفع وزير الخارجية التركى هاكان فيدان إلى وصف مستوى العلاقات، بأنها الأفضل فى التاريخ الحديث. وكان للقاهرة دور مهم، فى الدخول على خط الملف النووى الإيرانى، فى ظل مواجهة طهران مع الغرب، والتى اتخذت أشكالًا متعددة، استمرار فرض عقوبات من أوروبا، صدام عسكرى مع أمريكا وإسرائيل، وقطيعة بينها وبين الوكالة الدولية، فاختارت القاهرة المسار الأخير، لأن الأول والثانى يتعلق بدول لها رؤى، وتبحث عن مصالحها، بينما الثالث يمكن فى حالة نجاحه وهو ما حصل بالفعل بالاتفاق الذى رعته القاهرة منذ حوالى أسبوعين، فى (سد ذريعة)، يستخدمها الغرب، والذى يتضمن عودة الوكالة إلى استئناف عملها، بآلية تم التوافق عليها، بعد سحبها مفتشيها، كإحدى نتائج الهجوم على منشآتها فى يونيو الماضى، وحظى الاتفاق بترحيب واسع عالميًا. ولم يختلف الوضع بالنسبة للمملكة العربية السعودية، حيث اتخذت الأمور اتجاهًا مشابهًا، عندما وسعت الرياض من دائرة تحالفاتها، وهذه المرة مع باكستان، بعد توقيع ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف، على اتفاقية دفاع مشترك، تنص على أن أى اعتداء على أى منهم، هو اعتداء على الآخر، مما يجعل الرد الجماعى فى صلب العلاقة بين الدولتين، وكان تصريح وزير الدفاع الباكستانى خواجه محمد آصف لافتًا، عندما أشار إلى أن البرنامج النووى لبلاده، سيكون متاحًا للسعودية عند الحاجة بموجب اتفاقية الدفاع المشترك، خاصة أنه من المعروف مدى الدعم السعودى لهذا البرنامج، منذ فترة ليست بالقصيرة. لم تكتف المملكة، فقد وصلت العلاقات مع إيران إلى مرحلة غير مسبوقة، منذ التوقيع على اتفاق تطبيع العلاقات بين الرياضوطهران برعاية صينية عام 2023، وزيارة وزير الدفاع السعودى الأمير خالد بن سلمان لطهران فى أبريل 2025، ويبدو أن اللقاء الذى تم بين محمد بن سلمان ومسعود بزشكيان أثناء مشاركتهما فى قمة الدوحة، قد استدعى مزيدًا من المشاورات، فأعقبها مباشرة زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومى للسعودية الثلاثاء الماضى وهو المسئول الأهم عن ملفات الأمن القومى، وارتباطه مع المرشد والتى تتزامن مع وضع إقليمى مضطرب دفعتهما معًا إلى بحث توسيع التعاون الأمنى والدفاعى والتجارى والاستثمارات المشتركة، حيث تحاول طهران إعادة تموضعها فى الإقليم، والقبول بها كشريك موثوق به. وفى الأخير سيظل نتنياهو مجرم حرب، مطلوبًا للعدالة، للقصاص منه عن جرائم الحرب، ولكنه يستحق الشكر، بإسهامه فى إعادة تموضع التحالفات فى المنطقة، ونجاحه منقطع النظير، فى تحويل بلاده، إلى كيان منبوذ، ومحاصر اقتصاديًا، باعتراف نادر من قيادات إسرائيل، أهم دليل إعادة أوروبا النظر فى علاقاتها الاقتصادية والسياسية معها.