الشرقية: إسلام عبدالخالق "أمك تستاهل كده منك؟".. سؤال خرج كالصاعقة من لسان العدالة ممثلة في قاضي محكمة جنايات الزقازيق في محافظة الشرقية، على مسامع شاب لعبت به المخدرات لعبتها وجعلت منه سافكًا لدماء أعز الناس، إلا أن الإجابة، ورغم اقتصارها على كلمة واحدة ذات حرفين «لا»، فقد أعادت الأسى لوجدان القاتل ندمًا على دقائق معدودة ظن خلالها أنه بمعزل عن هويته، وراح يستدعي شيطانه ليجهز على والدته ليسلبها حياتها ويحرق جسدها. سؤال القاضي عادت معه ذاكرة «حمادة» إلى ثمانية أشهر مرت، وبالتحديد صبيحة اليوم العاشر من أيام العام الجديد، عندما استيقظ وقد ثارت أعصابه تطلب المزيد من جرعات المخدر الذي اعتاده حتى الإدمان، لكن علته وقتها بالبطالة وحب النوم نهارًا والسهر ليلًا جميعها أشياء حولته إلى شبح آدمي لا يقوى على التفكير السليم، ولا يستطيع كبح جماح عصبيته الزائدة ونفسه التواقة للمزيد من السقوط في ملذات التعاطي ونشوته. قبل عشر سنوات، وبينما كان خط الشباب يسير على درب الفتى، سولت إليه نفسه الهوى في طريق أرباب السوء، عرف معهم كراهية النجاح وحب الانتشاء الزائف، وبين هذا وذاك تعددت جرعات المخدرات مختلفة الأنواع، وجرب الشاب كل شيء حتى استقر على بعض الأنواع الكيميائية مغلفة باسم مخدر الحشيش، لكنها في الأصل لا تعدو كونها خليطًا كيميائيًا يؤثر على الأعصاب ويستميل محفزات النشوة إلى الحد الذي يفشل معه صاحب الجسد في مقاومة إدمانه. جرعة بعد جرعة، و«أنفاسٍ» متتالية من الدخان الأزرق حولت الشاب إلى شبه إنسان، غزت الهالات السوداء أسفل عينيه، وبات لا ينفك عن الشكوى من صداع لا يختفي دون الجرعات و«قعدات الحظ»، ووسط كل ما يحيط به من أجواء كان أخلاقه تتغير وتيرتها بسرعة البرق؛ تبدلت أحواله وعرف لسانه التطاول على أقرب الأقربين له، ما استدعى تدخلًا عاجلًا من جانب الأهل، خاصةً وأن نجاحاته الدراسية قد عرفت خط نهايتها منذ حصوله على شهادة الدبلوم بمجموع بالكاد كان مقبولًا. علاج لم يكتمل بعد عناء ومساعدة الأقربين، اصطحبته الأسرة إلى إحدى المصحات عسى أن يلقى مساعدة طبية متخصصة تعينه على التوقف عن الإدمان، بيد أن النفقات كانت زيادتها تفوق طاقة الأسرة، ما ساهم في ألا تستمر رحلة العلاج حتى نهايتها، ليعود «المدمن» من جديد إلى طريقه المحاصر بأرباب السوء وأصدقاء الكيف والهوى. عاد «حمادة» من رحلة العلاج غير المكتملة وقد عرفت يداه التطاول بالضرب على والدته تارة، وشقيقاته تارات أخرى، حتى فاض الكيل بالأم المسكينة وهي ترى فلذة كبدها وقد تحول حاله إلى النقيض، لكنها لم تتوقف عن الدعاء له لعل أن يهديه الله طريق الصواب والشفاء من علاته التي فعلتها المخدرات وحولته من ابن بار إلى جبار فتنته نشوة الحشيش وحبوب الهلوسة المعجون بها حتى بات لا يرى في أهله سوى مصدر للمال، خاصةً والدته التي كان معتادًا أن يطلب منها ما معها من نقود، وهي عاجزة تعطيه بعدما تفشل محاولاتها المستميتة أن تصده عن «الهباب» الذي يتعاطاه. مرت الأيام صعبة على الجميع، الأم تتكبد مالها وصحتها شيئًا فشيئا وهي ترى قطعة منها تعيث في الأرض فسادًا، وبناتها لا يطيقون أخلاق شقيقهم التي تغيرت وجعلت منه متعدى عليهن بالضرب كلما جمعت بينهم المواقف لأتفه الأسباب، وبين هذا وذاك تقف الأم في حانوتها الذي تتخذه سبيلًا لمعاش بيتها وأهله، لكن ما تتكسبه بالكاد يكفي الطعام لأسرتها ولكن الأموال التي يتحصل ابنها منها بالقوة والتهديد من وقتٍ لآخر يجعلها تنفد باستمرار. اقرأ أيضا: السجن 10 سنوات لقاتله رضيعها بالشرقية الضحية الأم عشية الجمعة الثانية كانت اللحظات الفارقة في مستقبل الاسرة، الأم تجلس في حانوتها، باقي البنات ما بين مشغولة بأمور البيت وأخرى تستذكر دروسها، وحده «حمادة» كان على مقربة من غرفة المطبخ، لكن يده اليسرى كانت تحمل قطعة كبير مستقيمة من المعدن الصلب (حديدة)، وخطواته تترنح وهو يقترب من درج الملاعق ليسحب منه السكين ويضعه قريبًا من عتبة البيت القريبة من حانوت والدته وقد قرر أن تكون نهايتها على يديه؛ لا لشيء إلا أنها قد رفضت قبل ساعات أن تعطيه أموالًا يشتري بها ما يريده من مخدرات، لكنه عاد إلى البيت قبل دقائق وقد أحضر جرعته المنشودة من جوهر «الحشيش»، وسولت له نفسه أن يسفك دماء من أحبته قبل أن يأتي إلى الدنيا، أمه التي أحبته قبل أن يعرف هو الحب أو الكراهية. لم يحتاج الفتى الثائر سوى بضع دقائق للتنفيس عن غضبته تجاه والدته، لكنه قبل أن يستعين بأدواته التي جهزها أحضر بعضًا من الوقود حتى تكون نهاية والدته مؤكدة، أو هكذا صور له شيطان الإدمان، وبخط اتٍ سريعة دلف إلى الحانوت، أخذ يهذي بكلماته الغاضبة تجاه أمه ويهوى على رأسها بعدة ضربات مفاجئة دون حتى أن تستوعب ما تراه وتسمعه، وترنحت قبل أن تسقط وقد بدأت تفقد قدرتها على أن تظل واعية، بيد أن ابنها أخذ في طعنها عدة طعنات كأنما ينتقم منها، وفي الوقت الذي كانت فيه الدماء تندفع منها، كانت لحظاتها الأخيرة في عقابه لم تأتِ بعدْ؛ إذ أخذ يسكب الوقود على جسدها، وما أن انتهى حتى أضرم النيران فيها، وخلال ثواني كان قد أغلق باب الحانوت عليها وظل واقفًا كمن يتأكد أن جريمته قد تمت على الوجه الأكمل وأن النيران ستلتهم جثمان ضحيته. ما جرى ودار لاحظت إحدى الجيران جزئه الأخير وهي تكاد يُغشى عليها من هول ما رأت الشاب يحرق والدته ويغلق الباب عليها حتى تأكلها النيران، وخلال دقائق كان الجيران قد تجمعوا، أمسك بعضهم الشاب وأسلحته، بينما استدعى الباقون عربة الإسعاف، التي حضرت خلال دقائق ونقلت ما تبقى من جسد الأم في حالة يرثى لها إلى المستشفى لتلفظ أنفاسها الأخيرة، بينم تم الزج بالابن خلف القضبان ملعونًا بدماء أمه التي سفكها. كلمات القاضى عاد تفكير الشاب إلى حيث يقف أمام القاضي، والذي تحدث باستفاضة كأنما ديباجة الحكم هي رسالة لمن انزلقت أقدامهم في طريق التعاطي، قبل أن يضيف: "أتمنى ألا يسلك مسلكك أي شاب أو فتاة أو أيٍ من متعاطي المواد المخدرة، وأقول له إن سلوكك حال استمراره سيودي بك في النهاية إلى محكمة الجنايات، فأرجو أن يكون عقابك عبرة لمن يعتبر". كلمات القاضي المستشار أسامة أحمد معوض الحلواني، رئيس محكمة جنايات الزقازيق، تبعها إسدال هيئة المحكمة بعضوية المستشار إسلام منصور، والمستشار هاني صلاح الدين أحمد، والمستشار محمود محمد عبدالعزيز، وسكرتارية إسلام محجوب، الستار على القضية التي حملت الرقم 118 جنايات قسم شرطة الصالحية الجديدة لسنة 2025، بالتصديق على رأي مفتي الجمهورية بمعاقبة المتهم «محمد ع ع» 27 عامًا، بالإعدام شنقًا، جزاءً لما اقترفته يداه بقتل والدته المجني عليها «هانم السيد»، حيث أسند أمر الإحالة إلى المتهم تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار بأن استل أداة (قطعة حديدية) وباغت بها المجني عليها والدته بضربتين على رأسها حتى فقدت وعيها، ثم وضع النار عمدًا في ملابسها وجسدها لإنهاء حياتها، وذلك حال إحرازه مخدر الحشيش بقصد التعاطي على النحو المبين في التحقيقات.