على عتبة باب صالة المنزل تركت كل همها وراحت تغط في نومٍ ترجوه عميقًا؛ تمني النفس بالقليل من الراحة حتى ولو كانت حلمًا تغفو لتراه وتعود إلى معاناتها التي ترفض أن تتركها، غطت فيما تريد أن تلقاه وراحت تتلحف بما عليها من ثياب قطنية بالكاد تسترها داخل البيت الذي آواها طيلة السنوات التسع السابقة، تذكر كيف كان وقتها الأول هنا، لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال تعلم أن الجحيم يترقب نومها. أغلقت عيناها لترى نوافذ البيت تُغلق والأضواء خافتة بألوان زاهية لا تزال تميز المشهد وتذكره؛ نعم إنه يوم زفافها حين حملها زوجها إلى هنا، كانا يضحكان لكن صدرها وكأنه يجيش بكل ما تحمله السعادة من هوية، تذكر كيف مر العسل عليها وعليه طيلة فترته القصيرة، وحين مر الشهر دون أن تشعر بشيء مغاير من تلك الأشياء التي تشعر بها السيدات حديثات العهد بالزواج راحت تساورها الظنون، لكنها خبأت شكوكها وراحت تربت على حالها بأن المرة القادمة في الشهر التالي ربما تشهد حدثها السعيد الأول بما ينبت في رحمها. مر الشهر كسابقه، ومن بعدها، وطيلة ست سنوات، راحت «هانم» تلاقي أقذع الكلمات وكأنها الأرض البور التي ترفض احتضان بذرة زوجها «إبراهيم»، وسط أُناسٍ لا تعرف كلماتهم أقل درجات الإيمان بأن الله وحده هو الذي يرزق من يشاء وقتما يشاء. أخذت تتقلب في نومتها، وجهها يمتعض، ملامحها تقسو وأسنانها كما لو كانت تصطك داخل فمها، لكن ما هي إلا لحظات حتى هدأت وبدا وجهها يشرق بعد خفوت وكأنما يشق طريقه إلى الفرح كما عرفت أرض البحر طريقها إلى رؤية السماء حين مر من عليها قوم موسى، ذاك ما كانت عليه هيئتها حين كان يداعبها شريط ذكرياتها وقتما رزقها الله بطفلها الأول بعد ست سنواتٍ عجاف ذاقت فيها مر الصبر وأنين الكلمات التي لم تغادرها وهي تُنعت وتُسب يومًا بعد الآخر على ألسنة أهل زوجها. الفرحة ولكن! وقتما جاءها «سالم» وغادر رحمها إلى الدنيا ظنت ألا مهانة بعدها، لكنها كانت واهمة؛ فزوجها الذي كان يُشار له بالبنان كواحد ممن يتفردون بالتميز في صنعة حدادة المُسلح، عرف طريقه إلى الإدمان وراح يسحب من شبابه جرعة بعد الأخرى وهو يسير مبتعدًا في طريق المخدرات آخذًا مما يكسبه ضريبة ومن صمت زوجته تصريحًا للإبحار بعيدًا في غياهب نشوته التي يصنعها أفاعيل الكيمياء حين تختلط ببضع جرامات من العقاقير ذات التأثير الذي يضرب جذور الأعصاب ليُخدر شعوره ويدفعه دفعًا إلى حافة السماء وهو يلامس الأرض. الأيام التي قضتها في مجاهدة سلوك شريكها ووتيرة جرعات إدمانه التي كان وقودها مصروف البيت تارة، ونقودًا ادخرتها الزوجة في شكل «جمعية» تارةً أخرى، جميعها كانت أسباب تدفع إلى الفراق وهي الفائزة، لكنها لم تفعل رأفةً بحال بيتها وتربيتها الريفية التي تؤصل فيها ألا تزج بنفسها بين سجلات أهل الطلاق، وربما كان دافعها الجديد لصبرها طفلها الثاني «مالك» الذي جاء إلى الدنيا بعد عامٍ ونصف من شقيقه. هدأت ملامحها وكأنما زالت حرارة الصيف التي كان تهرب منها قبل منامها، بيد أنها بدأت تستيقظ وهي تشعر بذخات تساقط عليها كما الأمطار، وحينما فتحت عيناها كان هناك، زوجها ورفيقها الذي تشكو جفاه ولا تغادره، واقفًا يدور حولها وهو يسكب فوقها مادة لم تتبينها هي، وظنت أنها مياه، لكن لما قد يرشها بالمياه حتى وإن كان ذلك من مظاهر العداوة؟! في الوقت الذي كانت تستفيق فيه وهي لا تزال تعاني من ذكراها الأليمة حين باع زوجها وحدة سكنية كان قد تحصل عليها من الدولة ضمن مشروع الإسكان الاجتماعي، واستدانت هي وقتها حتى استعادت وحدتهما مرة أخرى باسمه حتى يعرف الاطمئنان طريقه إلى البيت، كان «إبراهيم» قد سبقها وكأنما يود أن يعبر عن غضبه من أفعالها الطيبة التي لا تناسبه، حين راح يسكب عليها مما أعده داخل زجاجة ملأها بالبنزين حتى يتخلص منها ويحرقها على قيد الحياة. قبل أن تفيق من تساؤلها فوجئت بالنيران تشتعل فيها كما لو كانت وقودها، وخلال دقائق كانت النار ترعى في جسدها كله دون أن تترك مليمترات من جسدها إلا وقد صبغته بحرارتها المرتفعة، وحين علت صرخاتها وسمعها الجيران وقف جامدًا يتلو عليهم كذبته بأن وقود دراجته النارية (الموتوسيكل) قد تسرب إلى زوجته واشتعلت النيران فجأة فيها، ونقلها إلى المستشفى بعد ذلك بعدما انطلت الكذبة على الجميع سواها. قرار المحكمة داخل جنبات المستشفى حضر أهلها تتقدمهم شقيقتها، والتي راحت تتحين الفرصة المواتية للحديث إلى شقيقتها على حين غفلة من زوجها، فأجابتها الأخيرة؛ بأن زوجها من فعل هذا بها عقابًا لها على معاتبته على حاله الرث وإدمانه الذي لا ينفك عنه. بكلماتٍ حثيثة أكدت «هانم» لأختها أن ما حدث لها على يد زوجها لم يسبق سبب واحد منها تستحق عليه ما فعله، وما هي إلا ساعات حتى فاضت روحها إلى بارئها متأثرةً من الحروق التي طالت عموم جسدها بنسبة 100%. لاذت الأسرة برجال الشرطة يسردون عليهم ما حدث، وكيف أن زوج ابنتهم قد حرقها حية لا لشيء إلا لأنها كانت تدفعه إلى العمل لأجل الإنفاق على بيته وأن يكف عن سلوك طريق الإدمان. ألقى رجال مباحث قسم الشرطة القبض على الزوج المتهم «إبراهيم س ع ال» البالغ من العمر 34 عامًا، حداد مسلح، يقيم في مدينة العاشر من رمضان؛ على خلفية اتهامه بقتل زوجته المجني عليها «هانم نعيم» حرقًا أثناء نومها داخل مسكن الزوجية وسط الحي الواحد والثلاثون في نطاق ودائرة قسم شرطة ثانٍ العاشر من رمضان. وجهت النيابة العامة للمتهم تهمة قتل زوجته المجني عليها عمدًا مع سبق الإصرار والترصد؛ بأن بيت النية وعقد العزم على قتلها، وأعد لتنفيذ مخططه الإجرامي مادة معجلة للاشتعال (بنزين) وقداحة وتربص بها حتى سنحت له الفرصة بنومها مطمئنة، وما أن ظفر بها حتى سكب على جسدها البنزين وأشعل النيران في جسدها قاصدا من ذلك إزهاق روحها، فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، والتي أودت بحياتها على النحو الوارد تفصيلًا في التحقيقات. اقرأ أيضا: المشدد 15 عاما لعاطل بسبب اتجاره فى المواد المخدرة بالشرقية تداولت محكمة جنايات الزقازيق القضية التي تحمل رقم 6295 جنايات قسم شرطة ثانٍ العاشر من رمضان لسنة 2024، المقيدة برقم 5785 كلي جنوبالزقازيق، لعدة جلسات، قبل أن تقرر المحكمة برئاسة المستشار نسيم علي بيومي، رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين سامي زين العابدين، وشادي المهدي عبدالرحمن، وأحمد عيد سويلم، وسكرتارية يامن محمود وهشام محمود، إيداع المتهم في مستشفى الأمراض النفسية «العباسية» لمدة 45 يومًا تحت الملاحظة؛ لبيان مدى سلامة قواه النفسية والعصبية وقت ارتكاب جريمته، وحددت المحكمة جلسة 13 ابريل المقبل لاستئناف المحاكمة عقب ورود تقرير المستشفى بشأن حالة المتهم.